حِصْنَ الْعِيذُو، وَحِصْنَ الْجُمَاهِرَتَيْنِ، فَاتَّسَعَتِ الْمَمْلَكَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ بِتِلْكَ النَّاحِيَةِ، إِلَّا أَنَّ الطَّرِيقَ إِلَيْهَا مِنِ الْبِلَادِ الْإِسْلَامِيَّةِ عَلَى عَقَبَةِ بِكْسَرَائِيلَ شَاقٌّ شَدِيدٌ، لِأَنَّ الطَّرِيقَ السَّهْلَةَ كَانَتْ غَيْرَ مَسْلُوكَةٍ، لِأَنَّ بَعْضَهَا بِيَدِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، وَبَعْضَهَا بِيَدِ الْفِرِنْجِ.

ذِكْرُ فَتْحِ حِصْنِ بَكَاسَ وَالشُّغْرِ

ثُمَّ سَارَ صَلَاحُ الدِّينِ عَنْ صَهْيُونَ ثَالِثَ جُمَادَى الْآخِرَةِ، فَوَصَلَ إِلَى قَلْعَةِ بَكَاسَ [فَرَأَى الْفِرِنْجَ قَدْ أَخْلَوْهَا، وَتَحَصَّنُوا بِقَلْعَةِ الشُّغْرِ، فَمَلَكَ قَلْعَةً بَكَاسَ] بِغَيْرِ قِتَالٍ وَتَقَدَّمَ إِلَى قَلْعَةِ الشُّغْرِ وَحَصَرَهَا، وَهِيَ وَبَكَاسَ عَلَى الطَّرِيقِ السَّهْلِ الْمَسْلُوكِ إِلَى لَاذِقِيَّةَ وَجَبَلَةَ وَالْبِلَادِ الَّتِي افْتَتَحَهَا صَلَاحُ الدِّينِ مِنْ بِلَادِ الشَّامِ الْإِسْلَامِيَّةِ.

فَلَمَّا نَازَلَهَا رَآهَا مَنِيعَةً حَصِينَةً لَا تُرَامُ، وَلَا يُوصَلُ إِلَيْهَا بِطَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ، إِلَّا أَنَّهُ أَمَرَ بِمُزَاحَفَتِهِمْ وَنَصْبِ مَنْجَنِيقٍ عَلَيْهِمْ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَرُمِيَ بِالْمَنْجَنِيقِ فَلَمْ يَصِلْ مِنْ أَحْجَارِهِ إِلَى الْقَلْعَةِ شَيْءٌ إِلَّا الْقَلِيلَ الَّذِي لَا يُؤْذِي. فَبَقِيَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ أَيَّامًا لَا يَرَوْنَ فِيهِ طَمَعًا وَأَهْلُهُ غَيْرُ مُهْتَمِّينَ بِالْقِتَالِ لِامْتِنَاعِهِمْ عَنْ ضَرَرٍ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِمْ وَبَلَاءٍ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ.

فَبَيْنَمَا صَلَاحُ الدِّينِ جَالِسٌ، وَعِنْدَهُ أَصْحَابُهُ، وَهُمْ فِي ذِكْرِ الْقَلْعَةِ وَإِعْمَالِ الْحِيلَةِ فِي الْوُصُولِ إِلَيْهَا، قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا الْحِصْنُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف: 97] فَقَالَ صَلَاحُ الدِّينِ: أَوْ يَأْتِي إِلَيْهِ بِنَصْرٍ مِنْ عِنْدِهِ وَفَتْحٍ.

فَبَيْنَمَا هُمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِذْ قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ فِرِنْجِيٌّ وَنَادَى بِطَلَبِ الْأَمَانِ لِرَسُولٍ يَحْضُرُ عِنْدَ صَلَاحِ الدِّينِ، فَأُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ، وَنَزَلَ رَسُولٌ وَسَأَلَ إِنْظَارَهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015