ذِكْرُ مِلْكِ الْمُسْلِمِينَ شَقِيفًا مِنَ الْفِرِنْجِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَيْضًا، فِي صَفَرٍ، فَتَحَ الْمُسْلِمُونَ بِالشَّامِ شَقِيفًا مِنَ الْفِرِنْجِ، يُعْرَفُ بِحَبْسِ جَلْدِكَ، وَهُوَ مِنْ أَعْمَالِ طَبَرِيَّةَ، مُطِلٌّ عَلَى السَّوَادِ.
وَسَبَبُ فَتْحِهِ أَنَّ الْفِرِنْجَ لَمَّا بَلَغَهُمْ مَسِيرُ صَلَاحِ الدِّينِ مِنْ مِصْرَ إِلَى الشَّامِ جَمَعُوا لَهُ، وَحَشَدُوا الْفَارِسَ وَالرَّاجِلَ، وَاجْتَمَعُوا بِالْكَرَكِ، بِالْقُرْبِ مِنَ الطَّرِيقِ، لَعَلَّهُمْ يَنْتَهِزُونَ فُرْصَةً، أَوْ يَظْفَرُونَ بِنُصْرَةٍ، وَرُبَّمَا عَاقُوا الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْمَسِيرِ بِأَنْ يَقِفُوا عَلَى بَعْضِ الْمَضَايِقِ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ خَلَتْ بِلَادُهُمْ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّامِ، فَسَمِعَ فَرْخَشَاهَ الْخَبَرَ، فَجَمَعَ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ عَسَاكِرِ الشَّامِ، ثُمَّ قَصَدَ بِلَادَ الْفِرِنْجِ وَأَغَارَ عَلَيْهَا، وَنَهَبَ دَبُورِيَّةَ وَمَا يُجَاوِرُهَا مِنَ الْقُرَى، وَأَسَرَ الرِّجَالَ وَقَتَلَ فِيهِمْ وَأَكْثَرَ وَسَبَى النِّسَاءَ، وَغَنِمَ الْأَمْوَالَ، وَفَتَحَ مِنْهُمُ الشَّقِيفَ، وَكَانَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ أَذَىً شَدِيدٌ، فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِفَتْحِهِ فَرَحًا عَظِيمًا، وَأَرْسَلَ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ بِالْبِشَارَةِ، فَلَقِيَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَفَتَّ ذَلِكَ فِي عَضُدِ الْفِرِنْجِ، وَانْكَسَرَتْ شَوْكَتُهُمْ.
ذِكْرُ إِرْسَالِ سَيْفِ الْإِسْلَامِ إِلَى الْيَمَنِ وَتُغَلُّبِهِ عَلَيْهِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَيَّرَ صَلَاحُ الدِّينِ أَخَاهُ سَيْفَ الْإِسْلَامِ طُغْدُكِينَ إِلَى بِلَادِ الْيَمَنِ، وَأَمَرَهُ بِتَمَلُّكِهَا وَقَطْعِ الْفِتَنِ بِهَا، وَفَوَّضَ إِلَيْهِ أَمْرَهَا، وَكَانَ بِهَا حِطَّانُ بْنُ مُنْقِذَ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ. وَكَتَبَ عِزُّ الدِّينِ عُثْمَانُ الزَّنْجِيلِيُّ مُتَوَلِّي عَدَنَ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ يُعَرِّفُهُ بِاخْتِلَالِ الْبِلَادِ، وَيُشِيرُ بِإِرْسَالِ بَعْضِ أَهْلِهِ إِلَيْهَا،، لِأَنَّ حِطَّانَ كَانَ قَوِيَ عَلَيْهِ، فَخَافَهُ عُثْمَانُ، فَجَهَّزَ صَلَاحُ الدِّينِ أَخَاهُ سَيْفَ الْإِسْلَامِ وَسَيَّرَهُ إِلَى بِلَادِ الْيَمَنِ، فَوَصَلَ إِلَى