يَلْتَمِسُ مِنْهُ الصُّلْحَ، فَهَادَنَهُ عَشْرَ سِنِينَ، وَكَانَتْ بِلَادُ إِفْرِيقِيَّةَ مُجْدِبَةً فَتَعَذَّرَ عَلَى الْعَسْكَرِ الْقُوتُ وَعَلْفُ الدَّوَابِّ، فَسَارَ إِلَى الْمَغْرِبِ مُسْرِعًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ شَمْسُ الدَّوْلَةِ تُورَانْشَاهْ بْنُ أَيُّوبَ، أَخُو صَلَاحِ الدِّينِ الْأَكْبَرُ، بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَكَانَ قَدْ أَخَذَهَا مِنْ أَخِيهِ إِقْطَاعًا، فَأَقَامَ بِهَا فَتُوُفِّيَ، وَكَانَ لَهُ أَكْثَرُ بِلَادِ الْيَمَنِ، وَنُوَّابُهُ هُنَالِكَ يَحْمِلُونَ إِلَيْهِ الْأَمْوَالَ مِنْ زَبِيدَ، وَعَدَنَ، وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْبِلَادِ وَالْمَعَاقِلِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَأَسْخَاهُمْ كَفًّا يُخْرِجُ كُلَّ مَا يُحْمَلُ إِلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِ الْيَمَنِ، وَدَخَلَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ، وَحُكْمُهُ فِي بِلَادِ أَخِيهِ صَلَاحِ الدِّينِ وَأَمْوَالِهِ نَافِذٌ، وَمَعَ هَذَا، فَلَمَّا مَاتَ كَانَ عَلَيْهِ نَحْوُ مِائَتَيْ أَلْفِ دِينَارٍ مِصْرِيَّةٍ دَيْنًا، فَوَفَّاهَا أَخُوهُ صَلَاحُ الدِّينِ عَنْهُ لَمَّا دَخَلَ إِلَى مِصْرَ، فَإِنَّهُ لَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُ وَفَاتِهِ سَارَ إِلَى مِصْرَ فِي شَعْبَانَ مِنَ السَّنَةِ، وَاسْتَخْلَفَ بِالشَّامِ عِزَّ الدِّينِ فَرْخَشَاهَ ابْنَ أَخِيهِ شَاهِنْشَاهْ، وَكَانَ عَاقِلًا حَازِمًا شُجَاعًا.
[الْوَفَيَاتُ] وَفِيهَا تُوُفِّيَ الْحَافِظُ أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلْفَةَ الْأَصْفَهَانِيُّ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَكَانَ حَافِظَ الْحَدِيثِ وَعَالِمًا بِهِ سَافَرَ فِي طَلَبِ الْكَثِيرِ.
وَتُوُفِّيَ أَيْضًا فِي الْمُحَرَّمِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْعَصَّارِ اللُّغَوِيُّ بِبَغْدَادَ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ الْجَوَالِيقِيِّ.