تُحِبُّونَهُ، وَأَنَا أُعِينُكُمْ عَلَيْهِ، وَأُقَبِّحُ فِعْلَهُ عِنْدَهُ، وَوَعَدَ مِنْ نَفْسِهِ بِكُلِّ جَمِيلٍ، فَاجْتَمَعَ الرَّسُولُ بِصَاحِبِ الْحِصْنِ، وَتَرَدَّدَ الْقَوْلُ بَيْنَهُمْ، فَاسْتَقَرَّ أَنَّ صَاحِبَ الْحِصْنِ يُخْرِجُ الْمُغَنِّيَةَ عَنْهُ بَعْدَ سَنَةٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يَفْعَلُ يَنْزِلُ صَلَاحُ الدِّينِ عَنْ نُصْرَتِهِ، وَيَكُونُ هُوَ وَقَلَجُ أَرْسَلَانَ عَلَيْهِ، وَاصْطَلَحُوا عَلَى ذَلِكَ وَعَادَ صَلَاحُ الدِّينِ عَنْهُ إِلَى الشَّامِ، وَعَادَ نُورُ الدِّينِ إِلَى بِلَادِهِ، فَلَمَّا انْقَضَتِ الْمُدَّةُ أَخْرَجَ نُورُ الدِّينِ الْمُغَنِّيَةَ عَنْهُ، فَتَوَجَّهَتْ إِلَى بَغْدَادَ، وَأَقَامَتْ بِهَا إِلَى أَنْ مَاتَتْ.
ذِكْرُ قَصْدِ صَلَاحِ الدِّينِ بَلَدَ ابْنِ لِيُونَ الْأَرْمَنِيِّ
وَفِيهَا قَصَدَ صَلَاحُ الدِّينِ بَلَدَ ابْنِ لِيُونَ الْأَرْمَنِيِّ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ أَمْرِ قَلَجِ أَرْسَلَانَ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ ابْنَ لِيُونَ الْأَرْمَنِيَّ كَانَ قَدِ اسْتَمَالَ قَوْمًا مِنَ التُّرْكُمَانِ وَبَذَلَ لَهُمُ الْأَمَانَ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْعَوْا مَوَاشِيَهُمْ فِي بِلَادِهِ. وَهِيَ بِلَادٌ حَصِينَةٌ كُلُّهَا حُصُونٌ مَنِيعَةٌ، وَالدُّخُولُ إِلَيْهَا صَعْبٌ، لِأَنَّهَا مَضَايِقُ وَجِبَالٌ وَعِرَةٌ، ثُمَّ غَدَرَ بِهِمْ وَسَبَى حَرِيمَهُمْ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، وَأَسَرَ رِجَالَهُمْ بَعْدَ أَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ مَنْ حَانَ أَجْلُهُ.
وَنَزَلَ صَلَاحُ الدِّينِ عَلَى النَّهْرِ الْأَسْوَدِ، وَبَثَّ الْغَارَاتِ عَلَى بِلَادِهِ، فَخَافَ ابْنُ لِيُونَ عَلَى حِصْنٍ لَهُ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ أَنْ يُؤْخَذَ فَخَرَّبَهُ وَأَحْرَقَهُ، فَسَمِعَ صَلَاحُ الدِّينِ بِذَلِكَ، فَأَسْرَعَ السَّيْرَ إِلَيْهِ، فَأَدْرَكَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُلَ مَا فِيهِ مِنْ ذَخَائِرَ وَأَقْوَاتٍ، فَغَنِمَهَا، وَانْتَفَعَ الْمُسْلِمُونَ بِمَا غَنِمُوهُ، فَأَرْسَلَ ابْنُ لِيُونَ يَبْذُلُ إِطْلَاقَ مِنْ عِنْدَهُ مِنَ الْأَسْرَى وَالسَّبْيِ وَإِعَادَةِ أَمْوَالِهِمْ عَلَى أَنْ يَعُودُوا عَنْ بِلَادِهِ، فَأَجَابَهُ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى ذَلِكَ، وَاسْتَقَرَّ الْحَالُ، وَأُطْلِقَ الْأَسْرَى وَأُعِيدَتْ أَمْوَالُهُمْ، وَعَادَ صَلَاحُ الدِّينِ عَنْهُ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ.