النَّقَّابُونَ فَنَقَّبُوا، وَخَرَّقُوا السُّورَ، وَأَلْقَوْا فِيهِ النَّارَ، فَسَقَطَ يَوْمَ الْخَمِيسِ لَسْتٍّ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَدَخَلَ الْمُسْلِمُونَ الْحِصْنَ عَنْوَةً وَأَسَرُوا كُلَّ مَنْ فِيهِ، وَأَطْلَقُوا مَنْ كَانَ بِهِ مَنْ أَسَارَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَتَلَ صَلَاحُ الدِّينِ كَثِيرًا مِنْ أَسْرَى الْفِرِنْجِ، وَأَدْخَلَ الْبَاقِينَ إِلَى دِمَشْقَ، وَأَقَامَ صَلَاحُ الدِّينِ بِمَكَانِهِ حَتَّى هَدَمَ الْحِصْنَ، وَعَفَى أَثَرُهُ، وَأَلْحَقَهُ بِالْأَرْضِ، وَكَانَ قَدْ بَذَلَ الْفِرِنْجُ سِتِّينَ أَلْفَ دِينَارٍ مِصْرِيَّةٍ لِيَهْدِمُوهُ بِغَيْرِ قِتَالٍ، فَلَمْ يَفْعَلُوا ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ إِذَا بَقِيَ بِنَاؤُهُ تَمَكَّنُوا بِهِ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الْفِرِنْجُ فَاجْتَمَعُوا بِطَبَرِيَّةَ لِيَحْمُوا الْحِصْنَ، فَلَمَّا أَتَاهُمُ الْخَبَرُ بِأَخْذِهِ فُتَّ فِي أَعَضَادِهِمْ، فَتَفَرَّقُوا إِلَى بِلَادِهِمْ.
وَأَكْثَرَ الشُّعَرَاءُ فِيهِ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ صَدِيقِنَا النَّشْوِ بْنِ نَفَّاذَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
هَلَاكُ الْفِرِنْجِ أَتَى عَاجِلًا ... وَقَدْ آنَ تَكْسِيرُ صُلْبَانِهَا
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَدْ دَنَا حَتْفُهَا ... لَمَا عَمَّرَتْ بَيْتَ أَحْزَانِهَا
وَقَوْلُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّاعَاتِيِّ الدِّمَشْقِيِّ:
أَتَسْكُنُ أَوْطَانَ النَّبِيِّينَ عُصْبَةٌ ... تَمِينُ لَدَى أَيْمَانِهَا وَهِيَ تَحْلِفُ
نَصَحْتُكُمُ وَالنُّصْحُ لِلدِّينِ وَاجِبٌ ... ذَرُوا بَيْتَ يَعْقُوبَ فَقَدْ جَاءَ يُوسُفُ
ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ عَسْكَرِ صَلَاحِ الدِّينِ وَعَسْكَرِ قَلَجِ أَرْسَلَانَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتِ الْحَرْبُ بَيْنَ عَسْكَرِ صَلَاحِ الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ أَيُّوبَ وَمُقَدَّمُهُمْ