وَذَكَّرَهُ الْعُهُودَ الَّتِي لَهُ، وَمَا اعْتَمَدَهُ مَعَهُ مِنْ تَسْلِيمِ الْبِلَادِ إِلَيْهِ، فَلَمْ يُصْغِ إِلَيْهِ وَلَجَّ عَلَيْهِ فِي أَخْذِهَا، وَسَارَ ابْنُ الْمُقَدَّمِ إِلَيْهَا، وَاعْتَصَمَ بِهَا فَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ صَلَاحُ الدِّينِ، وَحَصَرَهُ بِهَا مُدَّةً، ثُمَّ رَحَلَ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْخُذَهَا، وَتَرَكَ عَلَيْهِ عَسْكَرًا يَحْصُرُهُ، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ الْحِصَارُ أَرْسَلَ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ يَطْلُبُ الْعِوَضَ عَنْهَا لِيُسَلِّمَهَا إِلَيْهِ فَعَوَّضَهُ عَنْهَا وَسَلَّمَهَا، فَأَقْطَعَهَا صَلَاحُ الدِّينِ أَخَاهُ شَمْسَ الدَّوْلَةِ.
ذِكْرُ الْغَلَاءِ وَالْوَبَاءِ الْعَامِّ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ انْقَطَعَتِ الْأَمْطَارُ بِالْكُلِّيَّةِ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ وَالْجَزِيرَةِ وَالْبِلَادِ الْعِرَاقِيَّةِ، وَالدِّيَارِ بَكْرِيَّةٍ، وَالْمَوْصِلِ وَبِلَادِ الْجَبَلِ، وَخِلَاطَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَاشْتَدَّ الْغَلَاءُ، وَكَانَ عَامًّا فِي سَائِرِ الْبِلَادِ، فَبِيعَتْ غِرَارَةُ الْحِنْطَةِ بِدِمَشْقَ وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ مَكُّوكًا بِالْمَوْصِلِيِّ، بِعِشْرِينَ دِينَارًا صُورِيَّةً عِتْقًا، وَكَانَ الشَّعِيرُ بِالْمَوْصِلِ كُلُّ ثَلَاثَةِ مَكَاكِيٍّ بِدِينَارٍ أَمِيرِيٍّ، وَفِي سَائِرِ الْبِلَادِ مَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ.
وَاسْتَسْقَى النَّاسُ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ، فَلَمْ يُسْقَوْا، وَتَعَذَّرَتِ الْأَقْوَاتُ وَأَكَلَتِ النَّاسُ الْمَيْتَةَ وَمَا نَاسَبَهَا، وَدَامَ كَذَلِكَ إِلَى آخَرِ سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ] ، ثُمَّ تَبِعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَبَاءٌ شَدِيدٌ عَامٌّ أَيْضًا، كَثُرَ فِيهِ الْمَوْتُ، وَكَانَ مَرَضُ النَّاسِ شَيْئًا وَاحِدًا، وَهُوَ السِّرْسَامُ، وَكَانَ النَّاسُ لَا يَلْحَقُونَ يَدْفِنُونَ الْمَوْتَى، إِلَّا أَنَّ بَعْضَ الْبِلَادِ كَانَ أَشَدُّ مِنَ الْبَعْضِ.
ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَحِمَ الْعِبَادَ وَالْبِلَادَ وَالدَّوَابَّ وَأَرْسَلَ الْأَمْطَارَ، وَأَرْخَصَ الْأَسْعَارَ.
وَمِنْ عَجِيبِ مَا رَأَيْتُ أَنَّنِي قَصَدْتُ رَجُلًا مِنَ الْعُلَمَاءِ الصَّالِحِينَ بِالْجَزِيرَةِ لِأَسْمَعَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ