الدِّينِ رَأَى أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الدُّنُوِّ مِنَ الْبَلَدِ، وَلَا عَلَى قِتَالِ مَنْ بِهِ، فَأَجَابَ أَيْضًا، وَتَقَرَّرَتِ الْقَاعِدَةُ فِي الصُّلْحِ لِلْجَمِيعِ، لِلْمَلِكِ الصَّالِحِ، وَلِسَيْفِ الدِّينِ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ، وَلِصَاحِبِ الْحِصْنِ، وَلِصَاحِبِ مَارِدِينَ، وَتَحَالَفُوا وَاسْتَقَرَّتِ الْقَاعِدَةُ أَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ عَوْنًا عَلَى النَّاكِثِ الْغَادِرِ.

فَلَمَّا انْفَصَلَ الْأَمْرُ وَتَمَّ الصُّلْحُ رَحَلَ صَلَاحُ الدِّينِ عَنْ حَلَبَ بَعْدَ أَنْ أَعَادَ قَلْعَةَ إِعْزَازَ إِلَى الْمَلِكِ الصَّالِحِ، فَإِنَّهُ أَخْرَجَ [إِلَى] صَلَاحِ الدِّينِ أُخْتًا لَهُ صَغِيرَةً طِفْلَةً، فَأَكْرَمَهَا صَلَاحُ الدِّينِ وَحَمَلَ لَهَا شَيْئًا كَثِيرًا، وَقَالَ لَهَا: مَا تُرِيدِينَ؟ قَالَتْ: أُرِيدُ قَلْعَةَ إِعْزَازَ، وَكَانُوا قَدْ عَلَّمُوهَا ذَلِكَ، فَسَلَّمَهَا إِلَيْهِمْ، وَرَحَلَ إِلَى بَلَدِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ.

ذِكْرُ الْفِتْنَةِ بِمَكَّةَ وَعَزْلِ أَمِيرِهَا وَإِقَامَةِ غَيْرِهَا

فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي ذِي الْحِجَّةِ، كَانَ بِمَكَّةَ حَرْبٌ شَدِيدَةٌ بَيْنَ أَمِيرِ الْحَاجِّ طَاشْتَكِينَ وَبَيْنَ الْأَمِيرِ مُكْثِرِ أَمِيرِ مَكَّةَ، وَكَانَ الْخَلِيفَةُ قَدْ أَمَرَ أَمِيرَ الْحَاجِّ بِعَزْلِ مُكْثِرٍ وَإِقَامَةِ أَخِيهِ دَاوُدَ مَقَامَهُ.

وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ بَنَى قَلْعَةً عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ، فَلَمَّا سَارَ الْحَاجُّ عَنْ عَرَفَاتٍ لَمْ يَبِيتُوا بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَإِنَّمَا اجْتَازُوا بِهَا، فَلَمْ يَرْمُوا الْجِمَارَ، إِنَّمَا بَعْضُهُمْ رَمَى بَعْضَهَا وَهُوَ سَائِرٌ، وَنَزَلُوا الْأَبْطَحَ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَحَارَبُوهَا، وَقُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ جَمَاعَةٌ، وَصَاحَ النَّاسُ: الْغَزَاةُ إِلَى مَكَّةَ، فَهَجَمُوا عَلَيْهَا، فَهَرَبَ أَمِيرُ مَكَّةَ مُكْثِرٌ، فَصَعِدَ إِلَى الْقَلْعَةِ الَّتِي بَنَاهَا عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ فَحَصَرُوهُ بِهَا، فَفَارَقَهَا وَسَارَ عَنْ مَكَّةَ، وَوَلِيَ أَخُوهُ دَاوُدُ الْإِمَارَةَ، وَنَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْحَاجِّ مَكَّةَ وَأَخَذُوا مِنْ أَمْوَالِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015