ذِكْرُ حَصْرِ الْفِرِنْجِ بَانِيَاسَ وَعَوْدِهِمْ عَنْهَا
لَمَّا مَاتَ نُورُ الدِّينِ مَحْمُودٌ، صَاحِبُ الشَّامِ، اجْتَمَعَتِ الْفِرِنْجُ وَسَارُوا إِلَى قَلْعَةِ بَانِيَاسَ مِنْ أَعْمَالِ دِمَشْقَ فَحَصَرُوهَا، فَجَمَعَ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ بْنُ الْمُقَدَّمِ الْعَسْكَرَ عِنْدَهُ بِدِمَشْقَ، فَخَرَجَ عَنْهَا، فَرَاسَلَهُمْ، وَلَاطَفَهُمْ، ثُمَّ أَغْلَظَ لَهُمْ فِي الْقَوْلِ، وَقَالَ لَهُمْ: إِنْ أَنْتُمْ صَالَحْتُمُونَا وَعُدْتُمْ عَنْ بَانِيَاسَ، فَنَحْنُ عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَنُرْسِلُ إِلَى سَيْفِ الدِّينِ، صَاحِبِ الْمَوْصِلِ، وَنُصَالِحُهُ، وَنَسْتَنْجِدُهُ، وَنُرْسِلُ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ بِمِصْرَ فَنَسْتَنْجِدُهُ، وَنَقْصُدُ بِلَادَكُمْ مِنْ جِهَاتِهَا كُلِّهَا، وَلَا تَقُومُونَ لَنَا. وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ صَلَاحَ الدِّينِ كَانَ يَخَافُ أَنْ يَجْتَمِعَ بِنُورِ الدِّينِ، وَالْآنَ فَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْخَوْفُ، وَإِذَا طَلَبْنَاهُ إِلَى بِلَادِكُمْ فَلَا يَمْتَنِعُ. فَعَلِمُوا صِدْقَهُ، فَصَالَحُوهُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْمَالِ أَخَذُوهُ وَأَسْرَى أُطْلِقُوا لَهُمْ كَانُوا عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَتَقَرَّرَتِ الْهُدْنَةُ.
فَلَمَّا سَمِعَ صَلَاحُ الدِّينِ بِذَلِكَ أَنْكَرَهُ وَاسْتَعْظَمَهُ، وَكَتَبَ إِلَى الْمَلِكِ الصَّالِحِ وَالْأُمَرَاءِ الَّذِينَ مَعَهُ يُقَبِّحُ لَهُمْ مَا فَعَلُوهُ وَيَبْذُلُ مِنْ نَفْسِهِ قَصْدَ بِلَادِ الْفِرِنْجِ وَمُقَارَعَتَهُمْ وَإِزْعَاجَهُمْ عَنْ قَصْدِ شَيْءٍ مِنْ بِلَادِ الْمَلِكِ الصَّالِحِ، وَكَانَ قَصْدُهُ أَنْ يَصِيرَ لَهُ طَرِيقٌ إِلَى بِلَادِ الشَّامِ لِيَتَمَلَّكَ الْبِلَادَ، وَالْأُمَرَاءُ الشَّامِيُّونَ إِنَّمَا صَالَحُوا الْفِرِنْجَ خَوْفًا مِنْهُ وَمِنْ سَيْفِ الدِّينِ غَازِي، صَاحِبِ الْمَوْصِلِ، فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَخَذَ الْبِلَادَ الْجَزَرِيَّةَ، وَخَافُوا مِنْهُ أَنْ يَعْبُرَ إِلَى الشَّامِ، فَرَأَوْا صُلْحَ الْفِرِنْجِ أَصْلَحَ مِنْ أَنْ يَجِيءَ هَذَا مِنَ الْغَرْبِ، وَهَذَا مِنَ الشَّرْقِ، وَهُمْ مَشْغُولُونَ عَنْ رَدِّهِمْ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي الْمُحَرَّمِ، وَقَعَ الْحَرِيقُ بِبَغْدَادَ فَاحْتَرَقَ أَكْثَرُ الظَّفَرِيَّةِ وَمَوَاضِعَ غَيْرِهَا، وَدَامَ الْحَرِيقُ إِلَى بُكْرَةٍ وَطُفِئَتِ النَّارُ.
وَفِيهَا فِي شَعْبَانَ، بَنَى ابْنُ سَنْكَا، وَهُوَ ابْنُ أَخِي شُمْلَةَ صَاحِبِ خُوزِسْتَانَ، قَلْعَةً