وَأَقَامَ أَبُو يَعْقُوبَ بِهَا إِلَى سَنَةِ إِحْدَى وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يُجَهِّزُ الْعَسَاكِرَ وَيُسَيِّرُهَا إِلَى غَزْوِ بِلَادِ الْفِرِنْجِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَكَانَ فِيهَا عِدَّةُ وَقَائِعَ وَغَزَوَاتٍ ظَهَرَ فِيهَا مِنَ الْعَرَبِ مِنَ الشَّجَاعَةِ مَا لَا يُوصَفُ، وَصَارَ الْفَارِسُ مِنَ الْعَرَبِ يَبْرُزُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ وَيَطْلُبُ مُبَارَزَةَ الْفَارِسِ الْمَشْهُورِ مَنَ الْفِرِنْجِ، فَلَا يَبْرُزُ إِلَيْهِ أَحَدٌ، ثُمَّ عَادَ أَبُو يَعْقُوبَ إِلَى مَرَّاكُشَ.

ذِكْرُ نَهْبِ نَهَاوَنْدَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ نَهَبَ عَسْكَرُ شُمْلَةَ نَهَاوَنْدَ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ شُمْلَةَ كَانَ أَيَّامَ إِيلْدِكْزَ لَا يَزَالُ يَطْلُبُ مِنْهُ نَهَاوَنْدَ ; لِكَوْنِهَا مُجَاوِرَةً بِلَادَهُ، وَيَبْذُلُ فِيهَا الْأَمْوَالَ، فَلَا يُجِيبُهُ إِلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا مَاتَ إِيلْدِكْزُ، وَمَلَكَ بَعْدَهُ وَلَدُهُ مُحَمَّدٌ الْبَهْلَوَانُ، وَسَارَ إِلَى أَذْرَبِيجَانَ لِإِصْلَاحِهَا، أَنْفَذَ شُمْلَةُ ابْنَ أَخِيهِ ابْنَ سَنْكَا لِأَخْذِ نَهَاوَنْدَ، وَبَلَغَ أَهْلَ الْبَلَدِ الْخَبَرُ، فَتَحَصَّنُوا، وَحَصَرَهُمْ، وَقَاتَلَهُمْ وَقَاتَلُوهُ، وَأَفْحَشُوا فِي سَبِّهِ، فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِمْ رَجَعَ إِلَى تُسْتَرَ، وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْهَا، وَأَرْسَلَ أَهْلُ نَهَاوَنْدَ إِلَى الْبَهْلَوَانِ يَطْلُبُونَ مِنْهُ نَجْدَةً، فَتَأَخَّرَتْ عَنْهُمْ، فَلَمَّا اطْمَأَنُّوا خَرَجَ ابْنُ سَنْكَا مِنْ تُسْتَرَ فِي خَمْسِمِائَةِ فَارِسٍ جَرِيدَةً، وَسَارَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَقَطَعَ أَرْبَعِينَ فَرْسَخًا حَتَّى وَصَلَ إِلَى نَهَاوَنْدَ، وَضَرَبَ الْبُوقَ وَأَظْهَرَ أَنَّهُ مِنْ أَصْحَابِ الْبَهْلَوَانِ، لِأَنَّهُ جَاءَهُمْ مِنْ نَاحِيَتِهِ، فَفَتَحَ أَهْلُ الْبَلَدِ لَهُ الْأَبْوَابَ، فَدَخَلَهُ، فَلَمَّا تَوَسَّطَ قَبَضَ عَلَى الْقَاضِي وَالرُّؤَسَاءِ وَصَلَبَهُمْ، وَنَهَبَ الْبَلَدَ وَأَحْرَقَهُ، وَقَطَعَ أَنْفَ الْوَالِي وَأَطْلَقَهُ، وَتَوَجَّهَ نَحْوَ مَاسَبَذَانَ قَاصِدًا لِلْعِرَاقِ.

ذِكْرُ قَصْدِ نُورِ الدِّينِ بِلَادَ قَلْجِ أَرْسِلَان

فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَارَ نُورُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ زَنْكِي إِلَى مَمْلَكَةِ عِزِّ الدِّينِ قَلْجِ أَرْسِلَان بْنِ مَسْعُودِ بْنِ قَلْجِ أَرْسِلَان، وَهِيَ مَلَطْيَةُ، وَسِيوَاسُ، وَأَقْصَرَا وَغَيْرِهَا، عَازِمًا عَلَى حَرْبِهِ وَأَخْذِ بِلَادِهِ مِنْهُ.

وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ ذَا النُّونِ بْنَ دَانِشْمَنْدَ صَاحِبَ مَلَطْيَةَ وَسِيوَاسَ قَصَدَهُ قَلْجُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015