الْحَمْرَاءِ، وَنَزَلَ ابْنُ هَمَشْكَ بِبَاطِنِ الْقَلْعَةِ الْحَمْرَاءِ فَيْمَنْ مَعَهُ، وَوَصَلَ عَسْكَرُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ إِلَى جَبَلٍ قَرِيبٍ مِنْ غَرْنَاطَةَ، فَأَقَامُوا فِي سَفْحِهِ أَيَّامًا ثُمَّ سَيَّرُوا أَرْبَعَةَ آلَافِ فَارِسٍ، فَبَيَّتُوا الْعَسْكَرَ الَّذِي بِظَاهِرِ الْقَلْعَةِ الْحَمْرَاءِ، وَقَاتَلُوهُمْ مِنْ جِهَاتِهِمْ، فَمَا لَحِقُوا يَرْكَبُونَ، فَقَتَلُوهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ.
وَأَقْبَلَ عَسْكَرُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بِجُمْلَتِهِ، فَنَزَلُوا بِضَوَاحِي غَرْنَاطَةَ، فَعَلِمَ ابْنُ مَرْدَنِيشَ وَابْنُ هَمَشْكَ أَنَّهُمْ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِهِمْ، فَفَرُّوا فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَحِقُوا بِبِلَادِهِمْ، وَاسْتَوْلَى الْمُوَحِّدُونَ عَلَى غَرْنَاطَةَ فِي بَاقِي السَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَعَادَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ مِنْ مَدِينَةِ سَلَا إِلَى مَرَّاكُشَ.
ذِكْرُ حَصْرِ نُورِ الدِّينِ حَارِمَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ جَمَعَ نُورُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ زَنْكِي بْنِ آقَنَسْقَرَ، صَاحِبُ الشَّامِ، الْعَسَاكِرَ بِحَلَبَ، وَسَارَ إِلَى قَلْعَةِ حَارِمَ، وَهِيَ لِلْفِرِنْجِ غَرْبِيَّ حَلَبَ، فَحَصَرَهَا وَجَدَّ فِي قِتَالِهَا، فَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ بِحَصَانَتِهَا، وَكَثْرَةِ مَنْ بِهَا مِنْ فُرْسَانِ الْفِرِنْجِ وَرَجَّالَتِهِمْ وَشُجْعَانِهِمْ، فَلَمَّا عَلِمَ الْفِرِنْجُ ذَلِكَ جَمَعُوا فَارِسَهُمْ وَرَاجِلَهُمْ مِنْ سَائِرِ الْبِلَادِ، وَحَشَدُوا، وَاسْتَعَدُّوا، وَسَارُوا نَحْوَهُ ; لِيُرَحِّلُوهُ عَنْهَا، فَلَمَّا قَارَبُوهُ طَلَبَ مِنْهُمُ الْمُصَافَّ، فَلَمْ يُجِيبُوهُ إِلَيْهِ، وَرَاسَلُوهُ، وَتَلَطَّفُوا الْحَالَ مَعَهُ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَخْذَ الْحِصْنِ، وَلَا يُجِيبُونَهُ إِلَى الْمُصَافِّ، عَادَ إِلَى بِلَادِهِ.
وَمِمَّنْ كَانَ مَعَهُ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ مُؤَيِّدُ الدَّوْلَةِ أُسَامَةُ بْنُ مُرْشِدِ بْنِ مُنْقِدِ الْكِنَانِيُّ، وَكَانَ مِنَ الشَّجَاعَةِ فِي الْغَايَةِ، فَلَمَّا عَادَ إِلَى حَلَبَ دَخَلَ إِلَى مَسْجِدِ شِيزَرَ، وَكَانَ قَدْ دَخَلَهُ فِي الْعَامِ الْمَاضِي سَائِرًا إِلَى الْحَجِّ، فَلَمَّا دَخَلَهُ الْآنَ كَتَبَ عَلَى حَائِطِهِ:
لَكَ الْحَمْدُ يَا مَوْلَايَ كَمْ لَكَ مِنَّةً
،
عَلَيَّ وَفَضْلًا لَا يُحِيطُ بِهِ شُكْرِي