طَالِبٍ، ثُمَّ أَخُوهُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْمُقْتَفِي، وَكَانَ أَكْبَرَ مِنَ الْمُسْتَنْجِدِ، ثُمَّ بَايَعَهُ الْوَزِيرُ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَقَاضِي الْقُضَاةِ، وَأَرْبَابُ الدَّوْلَةِ وَالْعُلَمَاءُ، وَخُطِبَ لَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَنُثِرَتِ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ.
حَكَى عَنْهُ الْوَزِيرُ عَوْنُ الدِّينِ بْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الْمَنَامِ مُنْذُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَالَ لِي: يَبْقَى أَبُوكَ فِي الْخِلَافَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَكَانَ كَمَا قَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: ثُمَّ رَأَيْتُهُ قَبْلَ مَوْتِ أَبِي الْمُقْتَفِي بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَدَخَلَ بِي فِي بَابٍ كَبِيرٍ، ثُمَّ ارْتَقَى إِلَى رَأْسِ جَبَلٍ، وَصَلَّى بِي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَلْبَسَنِي قَمِيصًا، ثُمَّ قَالَ لِي: قُلْ " «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ» "، وَذَكَرَ دُعَاءَ الْقُنُوتِ.
وَلَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَةَ أَقَرَّ ابْنَ هُبَيْرَةَ عَلَى وَزَرَاتِهِ وَأَصْحَابَ الْوِلَايَاتِ عَلَى وِلَايَاتِهِمْ، وَأَزَالَ الْمُكُوسَ وَالضَّرَائِبَ، وَقَبَضَ عَلَى الْقَاضِي ابْنِ الْمُرَخَّمِ وَقَالَ: وَكَانَ بِئْسَ الْحَاكِمُ، وَأَخَذَ مِنْهُ مَالًا كَثِيرًا، وَأُخِذَتْ كُتُبُهُ فَأُحْرِقَ مِنْهَا فِي الرَّحْبَةِ مَا كَانَ مِنْ عُلُومِ الْفَلَاسِفَةِ، فَكَانَ مِنْهَا: كِتَابُ " الشِّفَاءِ " لِابْنِ سِينَا، وَكِتَابُ " إِخْوَانِ الصَّفَا "، وَمَا شَاكَلَهُمَا، وَقَدَّمَ عَضُدَ الدِّينِ بْنَ رَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ، وَكَانَ أُسْتَاذُ الدَّارِ يُمَكِّنُهُ، وَتَقَدَّمَ إِلَى الْوَزِيرِ أَنْ يَقُومَ لَهُ، وَعَزَلَ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ أَحْمَدَ الدَّامَغَانِيَّ، وَرَتَّبَ مَكَانَهُ أَبَا جَعْفَرٍ عَبْدَ الْوَاحِدِ الثَّقَفِيَّ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ.
ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ عَسْكَرِ خُوَارَزْمَ وَالْأَتْرَاكِ الْبَرَزِيَّةِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، سَارَ طَائِفَةٌ مِنْ عَسْكَرِ خُوَارَزْمَ إِلَى أَجْحَهْ، وَهَجَمُوا عَلَى يَغْمُرْخَانْ بْنِ أَوْدَكَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْأَتْرَاكِ الْبَرَزِيَّةِ، فَأَوْقَعُوا بِهِمْ، وَأَكْثَرُوا الْقَتْلَ، فَانْهَزَمَ يَغْمُرْخَانْ، وَقَصَدَ السُّلْطَانَ مَحْمُودَ بْنَ مُحَمَّدِ الْخَانْ [وَالْأَتْرَاكَ الْغُزِّيَّةَ الَّذِينَ مَعَهُ وَتَوَسَّلَ إِلَيْهِمْ بِالْقَرَابَةِ، وَظَنَّ يَغْمُرْخَانْ] أَنَّ اخْتِيَارَ الدِّينِ إِيثَاقَ هُوَ الَّذِي هَيَّجَ الْخُوَارَزْمِيَّةَ عَلَيْهِ، فَطَلَبَ مِنَ الْغُزِّ إِنْجَادَهُ.