بَغْدَادَ، وَأَقْبَلَ الْمَدُّ إِلَى الْبَلَدِ، فَامْتَلَأَتِ الصَّحَارِي وَخَنْدَقَ الْبَلَدَ، وَأَفْسَدَ الْمَاءُ السُّورَ، فَفَتَحَ فِيهِ فَتْحَةً يَوْمَ السَّبْتِ تَاسِعَ عَشَرَ الشَّهْرَ، فَوَقَعَ بَعْضُ السُّورِ عَلَيْهَا، فَسَدَّهَا، ثُمَّ فَتَحَ الْمَاءُ فَتْحَةً أُخْرَى، وَأَهْمَلُوهَا ظَنًّا أَنَّهَا تُنَفِّسُ عَنِ السُّورِ لِئَلَّا يَقَعَ، فَغَلَبَ الْمَاءُ، وَتَعَذَّرَ سَدُّهُ، فَغَرِقَ قَرَاحُ ظَفَرَ، وَالْأَجَمَةُ، وَالْمُخْتَارَةُ، وَالْمُقْتَدِيَّةُ، وَدَرْبُ الْقَبَّارِ، وَخَرَابَةُ ابْنِ جُرْدَةَ، وَالرَّيَّانُ، وَقَرَاحُ الْقَاضِي، وَبَعْضُ الْقَطِيعَةِ، وَبَعْضُ بَابِ الْأَزَجِ، وَبَعْضُ الْمَأْمُونِيَّةِ، وَقَرَاحُ أَبِي الشَّحْمِ، وَبَعْضُ قَرَاحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَبَعْضُ الظَّفَرِيَّةِ.

وَدَبَّ الْمَاءُ تَحْتَ الْأَرْضِ إِلَى أَمَاكِنَ، فَوَقَعَتْ، وَأَخَذَ النَّاسُ يَعْبُرُونَ إِلَى الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ، فَبَلَغَتِ الْمَعْبَرَةُ عِدَّةَ دَنَانِيرَ، وَلَمْ يَكُنْ يُقْدَرُ عَلَيْهَا، ثُمَّ نَقَصَ الْمَاءُ وَتَهَدَّمَ السُّورُ، وَبَقِيَ الْمَاءُ الَّذِي دَاخِلُ السُّورِ يَدِبُّ فِي الْمَحَالِّ الَّتِي لَمْ يَرْكَبْهَا الْمَاءُ، فَكَثُرَ الْخَرَابُ، وَبَقِيَتِ الْمَحَالُّ لَا تُعْرَفُ إِنَّمَا هِيَ تِلُولٌ، فَأَخَذَ النَّاسُ حُدُودَ دُورِهِمْ بِالتَّخْمِينِ.

وَأَمَّا الْجَانِبُ الْغَرْبِيُّ فَغَرِقَتْ فِيهِ مَقْبَرَةُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهَا مِنَ الْمَقَابِرِ، وَانْخَسَفَتِ الْقُبُورُ، وَخَرَجَ الْمَوْتَى عَلَى رَأْسِ الْمَاءِ، وَكَذَلِكَ الْمَشْهَدُ وَالْحَرْبِيَّةُ، وَكَانَ أَمْرًا عَظِيمًا.

ذِكْرُ عَوْدِ سُنْقُرِ الْهَمَذَانِيِّ إِلَى اللِّحْفِ وَانْهِزَامِهِ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَادَ سُنْقُرُ الْهَمَذَانِيُّ إِلَى إِقْطَاعِهِ، وَهُوَ قَلْعَةُ الْمَاهِكِيِّ وَبَلَدِ اللِّحْفِ، وَكَانَ الْخَلِيفَةُ قَدْ أَقْطَعَهُ لِلْأَمِيرِ قَايْمَازَ الْعَمِيدِيِّ، وَمَعَهُ أَرْبَعُمِائَةِ فَارِسٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ سُنْقُرُ يَقُولُ لَهُ: ارْحَلْ عَنْ بَلَدِي، فَامْتَنَعَ، فَسَارَ إِلَيْهِ، وَجَرَى بَيْنَهُمَا قِتَالٌ شَدِيدٌ انْهَزَمَ فِيهِ الْعَمِيدِيُّ، وَرَجَعَ إِلَى بَغْدَادَ بِأَسْوَأِ حَالٍ.

فَبَرَزَ الْخَلِيفَةُ، وَسَارَ فِي عَسَاكِرِهِ إِلَى سُنْقُرَ، فَوَصَلَ إِلَى النُّعْمَانِيَّةِ وَسَيَّرَ الْعَسَاكِرَ مَعَ تُرْشَكَ وَرَجَعَ إِلَى بَغْدَادَ، وَمَضَى تُرْشَكُ نَحْوَ سُنْقُرَ الْهَمَذَانِيِّ، فَتَوَغَّلَ سُنْقُرُ فِي الْجِبَالِ هَارِبًا، وَنَهَبَ تُرْشَكُ مَا وَجَدَ لَهُ وَلِعَسْكَرِهِ مِنْ مَالٍ وَسِلَاحٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَسَرَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015