مَلَكُوهَا بِغَيْرِ تَعَبٍ وَلَا مَشَقَّةٍ، وَأَرَاحُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ لِلَّهِ أَمْرٌ هُوَ بَالِغُهُ.
ذِكْرُ مُلْكِ نُورِ الدِّينِ تَلَّ بَاشِرَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، أَوِ الَّتِي بَعْدَهَا، مَلَكَ نُورُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ زَنْكِي قَلْعَةَ تَلِّ بَاشِرَ، وَهِيَ شَمَالِيَّ حَلَبَ مِنْ أَمْنَعِ الْقِلَاعِ.
وَسَبَبُ مُلْكِهَا أَنَّ الْفِرِنْجَ لَمَّا رَأَوْا مُلْكَ نُورِ الدِّينِ دِمَشْقَ خَافُوهُ، وَعَلِمُوا أَنَّهُ يَقْوَى عَلَيْهِمْ، وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى الِانْتِصَافِ مِنْهُ، لِمَا كَانُوا يَرَوْنَ مِنْهُ قَبْلَ مُلْكِهَا، فَرَاسَلَهُ مَنْ بِهَذِهِ الْقَلْعَةِ مِنَ الْفِرِنْجِ، وَبَذَلُوا لَهُ تَسْلِيمَهَا، فَسَيَّرَ إِلَيْهِمُ الْأَمِيرَ حَسَّانًا الْمَنْبِجِيَّ، وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ أُمَرَائِهِ، وَكَانَ إِقْطَاعُهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ مَدِينَةَ مَنْبِجَ، وَهِيَ تُقَارِبُ تَلَّ بَاشِرَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْهَا وَيَتَسَلَّمَهَا، فَسَارَ إِلَيْهَا وَتَسَلَّمَهَا مِنْهُمْ، وَحَصَّنَهَا وَرَفَعَ إِلَيْهَا مِنَ الذَّخَائِرِ مَا يَكْفِيهَا سِنِينَ كَثِيرَةً.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
[الْوَفَيَاتُ]
فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَاتَ أُسْتَاذُ الدَّارِ أَبُو الْفُتُوحِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ ابْنِ الْمُظَفَّرِ ابْنِ رَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ، وَكَانَ لَهُ صَدَقَاتٌ، وَمَعْرُوفٌ كَثِيرٌ، وَمُجَالَسَةٌ لِلْفُقَرَاءِ.
وَلَمَّا مَاتَ وَلَّى الْخَلِيفَةُ ابْنَهُ الْأَكْبَرَ عَضُدَ الدِّينِ أَبَا الْفَرَجِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ مَا كَانَ إِلَى أَبِيهِ.
وَتُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَكَّافُ النَّيْسَابُورِيُّ. كَانَ زَاهِدًا، عَابِدًا، فَقِيهًا، مُنَاظِرًا، وَكَانَ السُّلْطَانُ سَنْجَرُ يَزُورُهُ وَيَتَبَرَّكُ بِدُعَائِهِ، وَكَانَ رُبَّمَا حَجَبَهُ فَلَا يُمَكِّنُهُ مِنَ الدُّخُولِ إِلَيْهِ.