(549)
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ
ذِكْرُ قَتْلِ الظَّافِرِ وَخِلَافَةِ ابْنِهِ الْفَائِزِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي الْمُحَرَّمِ، قُتِلَ الظَّافِرُ بِاللَّهِ أَبُو الْمَنْصُورِ إِسْمَاعِيلُ ابْنُ الْحَافِظِ لِدِينِ اللَّهِ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْعَلَوِيُّ صَاحِبُ مِصْرَ.
وَكَانَ سَبَبَ قَتْلِهِ أَنَّ وَزِيرَهُ عَبَّاسًا كَانَ لَهُ وَلَدٌ اسْمُهُ نَصْرٌ، فَأَحَبَّهُ الظَّافِرُ، وَجَعَلَهُ مِنْ نُدَمَائِهِ وَأَحْبَابِهِ الَّذِينَ لَا يَقْدِرُ عَلَى فِرَاقِهِمْ سَاعَةً وَاحِدَةً، فَاتَّفَقَ أَنْ قَدِمَ مِنَ الشَّامِ مُؤَيَّدُ الدَّوْلَةِ الْأَمِيرُ أُسَامَةُ بْنُ مُنْقِذٍ الْكِنَانِيُّ فِي وِزَارَةِ ابْنِ السَّلَارِ، وَاتَّصَلَ بِعَبَّاسٍ، فَحَسَّنَ لَهُ قَتْلَ الْعَادِلِ بْنِ السَّلَارِ زَوْجِ أُمِّهِ، فَقَتَلَهُ، وَوَلَّاهُ الظَّافِرُ الْوِزَارَةَ، فَاسْتَبَدَّ بِالْأَمْرِ، وَتَمَّ لَهُ ذَلِكَ.
وَعَلِمَ الْأُمَرَاءُ وَالْأَجْنَادُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ ابْنِ مُنْقِذٍ، فَعَزَمُوا عَلَى قَتْلِهِ، فَخَلَا بِعَبَّاسٍ وَقَالَ لَهُ: كَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا أَسْمَعُ مِنْ قَبِيحِ الْقَوْلِ؟ قَالَ: وَمَا ذَلِكَ؟ قَالَ: النَّاسُ يَزْعُمُونَ أَنَّ الظَّافِرَ يَفْعَلُ بِابْنِكَ نَصْرٍ ; وَ (كَانَ) نَصْرٌ خِصِّيصًا بِالظَّافِرِ، وَكَانَ مُلَازِمًا لَهُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، وَكَانَ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ صُورَةً، وَكَانَ الظَّافِرُ يُتَّهَمُ بِهِ، فَانْزَعَجَ لِذَلِكَ وَعَظُمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: كَيْفَ الْحِيلَةُ؟ قَالَ: تَقْتُلُهُ فَيَذْهَبَ عَنْكَ الْعَارُ، فَذَكَرَ الْحَالَ لِوَلَدِهِ نَصْرٍ، فَاتَّفَقَا عَلَى قَتْلِهِ.
وَقِيلَ: إِنَّ الظَّافِرَ أَقْطَعَ نَصْرَ بْنَ عَبَّاسٍ قَرْيَةَ قَلْيُوبَ، وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ قُرَى مِصْرَ، فَيَدْخُلُ إِلَيْهِ مُؤَيَّدُ الدَّوْلَةِ بْنُ مُنْقِذٍ، وَهُوَ عِنْدَ أَبِيهِ عَبَّاسٍ. قَالَ لَهُ نَصْرٌ: قَدْ أَقْطَعَنِي مَوْلَانَا قَرْيَةَ قَلْيُوبَ. فَقَالَ لَهُ مُؤَيَّدُ الدَّوْلَةِ: مَا هِيَ فِي مَهْرِكَ بِكَثِيرٍ ; فَعَظُمَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَبِيهِ، وَأَنِفَ مِنْ هَذِهِ الْحَالِ، وَشَرَعَ فِي قَتْلِ الظَّافِرِ بِأَمْرِ أَبِيهِ، فَحَضَرَ نَصَرٌ عِنْدَ الظَّافِرِ وَقَالَ