ذِكْرُ حَصْرِ غَرْنَاطَةَ وَالْمَرِيَّةِ مِنْ بِلَادِ الْأَنْدَلُسِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَيَّرَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ جَيْشًا كَثِيفًا، نَحْوَ عِشْرِينَ أَلْفَ فَارِسٍ، إِلَى الْأَنْدَلُسِ مَعَ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ أَبِي يَحْيَى الْهِنْتَاتِيِّ، وَسَيَّرَ مَعَهُمْ نِسَاءَهُمْ، (فَكُنَّ يَسِرْنَ مُفْرَدَاتٍ) عَلَيْهِنَّ الْبَرَانِسُ السُّودُ، لَيْسَ مَعَهُنَّ غَيْرُ الْخَدَمِ، (وَمَتَى قُرُبَ مِنْهُنَّ رَجُلٌ ضُرِبَ بِالسِّيَاطِ) .
فَلَمَّا قَطَعُوا الْخَلِيجَ سَارُوا إِلَى غَرْنَاطَةَ وَبِهَا جَمْعٌ مِنَ الْمُرَابِطِينَ، فَحَصَرَهَا عُمَرُ وَعَسْكَرُهُ، وَضَيَّقُوا عَلَيْهَا، فَجَاءَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ مِلْحَانَ، صَاحِبُ مَدِينَةِ وَادِي آشَ وَأَعْمَالِهَا، بِجَمَاعَتِهِ، وَوَحَّدُوا، وَصَارُوا مَعَهُ، وَأَتَاهُمْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَمْشَكَ صِهْرُ ابْنِ مَرْدَنِيشَ، صَاحِبِ جَيَّانَ، وَأَصْحَابُهُ، وَوَحَّدُوا، وَصَارُوا أَيْضًا مَعَهُ، فَكَثُرَ جَيْشُهُ، وَحَرَّضُوهُ عَلَى الْمُسَارَعَةِ إِلَى ابْنِ مَرْدَنِيشَ، مَلِكِ بِلَادِ شَرْقِ بِلَادِ الْأَنْدَلُسِ، لِيَبْغَتَهُ بِالْحِصَارِ قَبْلَ أَنْ يَتَجَهَّزَ.
فَلَمَّا سَمِعَ ابْنُ مَرْدَنِيشَ ذَلِكَ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلِكِ بَرْشِلُونَةَ، مِنْ بِلَادِ الْفِرِنْجِ، يُخْبِرُهُ، وَيَسْتَنْجِدُهُ، وَيَسْتَحِثُّهُ، عَلَى الْوُصُولِ إِلَيْهِ، فَسَارَ إِلَيْهِ الْفِرِنْجِيُّ فِي عَشَرَةِ آلَافِ فَارِسٍ، وَسَارَ عَسْكَرُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، فَوَصَلُوا إِلَى حَمَّةِ بَلْقُوَارَةَ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مُرْسِيَّةَ، الَّتِي هِيَ مَقَرُّ ابْنِ مَرْدَنِيشَ مَرْحَلَةٌ، فَسَمِعُوا بِوُصُولِ الْفِرِنْجِ، فَرَجَعَ وَحَصَرَ مَدِينَةَ الْمَرِيَّةِ، وَهِيَ لِلْفِرِنْجِ، عِدَّةَ شُهُورٍ، فَاشْتَدَّ الْغَلَاءُ فِي الْعَسْكَرِ، وَعُدِمَتِ الْأَقْوَاتُ، فَرَحَلُوا عَنْهَا وَعَادُوا إِلَى إِشْبِيلِيَّةَ فَأَقَامُوا بِهَا.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ، تُوُفِّيَ الْعِبَادِيُّ الْوَاعِظُ، وَاسْمُهُ الْمُظَفَّرُ ابْنُ أَرْدَشِيرَ، بِخُوزِسْتَانَ، وَكَانَ الْخَلِيفَةُ الْمُقْتَفِي لِأَمْرِ اللَّهِ قَدْ سَيَّرَهُ فِي رِسَالَةٍ إِلَى الْمَلِكِ