مَقْصِدٌ، وَفِيهِمْ وَفَاءٌ وَعَصَبِيَّةٌ، يَأْخُذُونَ بِيَدِ كُلِّ مَنْ يَلْتَجِئُ إِلَيْهِمْ وَيَقْصِدُهُمْ، وَلَا يُسَلِّمُونَهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ.

ذِكْرُ قَتْلِ أَتَابَكَ عِمَادِ الدِّينِ زَنْكِي وَشَيْءٍ مِنْ سِيرَتِهِ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ، لِخَمْسٍ مَضَيْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ، قُتِلَ أَتَابَكُ الشَّهِيدُ عِمَادُ الدِّينِ زَنْكِي بْنُ آقْسُنْقُرْ، صَاحِبُ الْمَوْصِلِ وَالشَّامِ، وَهُوَ يُحَاصِرُ قَلْعَةَ جَعْبَرَ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، قَتَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ مَمَالِيكِهِ لَيْلًا غِيلَةً، وَهَرَبُوا إِلَى قَلْعَةِ جَعْبَرَ، فَصَاحَ مَنْ بِهَا إِلَى الْعَسْكَرِ يُعْلِمُونَهُمْ بِقَتْلِهِ، وَأَظْهَرُوا الْفَرَحَ، فَدَخَلَ أَصْحَابُهُ، فَأَدْرَكُوهُ وَبِهِ رَمَقٌ.

حَدَّثَنِي وَالِدِي عَنْ بَعْضِ خَوَاصِّهِ، قَالَ: دَخَلْتُ إِلَيْهِ فِي الْحَالِ وَهُوَ حَيٌّ، فَحِينَ رَآنِي ظَنَّ أَنِّي أُرِيدُ قَتْلَهُ، فَأَشَارَ إِلَيَّ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَسْتَعْطِفُنِي، فَوَقَعْتُ مِنْ هَيْبَتِهِ، فَقُلْتُ: يَا مَوْلَايَ مَنْ فَعَلَ بِكَ هَذَا؟ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْكَلَامِ، وَفَاضَتْ نَفْسُهُ لِوَقْتِهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ.

قَالَ: وَكَانَ حَسَنَ الصُّورَةِ، أَسْمَرَ اللَّوْنِ، مَلِيحَ الْعَيْنَيْنِ، قَدْ وَخَطَهُ الشَّيْبُ، وَكَانَ قَدْ زَادَ عُمْرُهُ عَلَى سِتِّينَ سَنَةً ; لِأَنَّهُ كَانَ لَمَّا قُتِلَ وَالِدُهُ صَغِيرًا، كَمَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ، وَلَمَّا قُتِلَ دُفِنَ بِالرَّقَّةِ.

وَكَانَ شَدِيدَ الْهَيْبَةِ عَلَى عَسْكَرِهِ وَرَعِيَّتِهِ، عَظِيمَ السِّيَاسَةِ، لَا يَقْدِرُ الْقَوِيُّ عَلَى ظُلْمِ الضَّعِيفِ، وَكَانَتِ الْبِلَادُ، قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهَا خَرَابًا مِنَ الظُّلْمِ، وَتَنَقُّلِ الْوُلَاةِ، وَمُجَاوَرَةِ الْفِرِنْجِ، فَعَمَّرَهَا، وَامْتَلَأَتْ أَهْلًا وَسُكَّانًا.

حَكَى لِي وَالِدِي قَالَ: رَأَيْتُ الْمَوْصِلَ وَأَكْثَرُهَا خَرَابٌ، بِحَيْثُ يَقِفُ الْإِنْسَانُ قُرَيْبَ مَحَلَّةِ الطَّبَّالِبِينَ وَيَرَى الْجَامِعَ الْعَتِيقَ، وَالْعَرَصَةَ، وَدَارَ السُّلْطَانِ، لَيْسَ بَيْنَ ذَلِكَ عِمَارَةٌ ; وَكَانَ الْإِنْسَانُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ إِلَى الْجَامِعِ الْعَتِيقِ إِلَّا وَمَعَهُ مَنْ يَحْمِيهِ، لِبُعْدِهِ عَنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015