فَكَانَ كَمَالُ الدَّيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّهْرَزُورِيُّ، فَأُحْضِرَ فِي الدِّيوَانِ، وَسُمِعَتْ رِسَالَتُهُ، وَحَكَى لِي وَالِدِي عَنْهُ قَالَ:
لَمَّا حَضَرْتُ الدِّيوَانَ قِيلَ لِي:
تُبَايِعُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقُلْتُ:
أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَنَا فِي الْمَوْصِلِ وَلَهُ فِي أَعْنَاقِ الْخَلْقِ بَيْعَةٌ مُتَقَدِّمَةٌ.
وَطَالَ الْكَلَامُ، وَعُدْتُ إِلَى مَنْزِلِي.
فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ عَجُوزٌ سِرًّا وَاجْتَمَعَتْ بِي، وَأَبْلَغَتْنِي رِسَالَةً عَنِ الْمُقْتَفِي لِأَمْرِ اللَّهِ مَضْمُونُهَا عِتَابِي عَلَى مَا قُلْتُهُ وَاسْتِنْزَالِي عَنْهُ. فَقُلْتُ:
غَدًا أَخْدِمُ خِدْمَةً يَظْهَرُ أَثَرُهَا.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ أُحْضِرْتُ الدِّيوَانَ، وَقِيلَ لِي فِي مَعْنَى الْبَيْعَةِ، فَقُلْتُ:
أَنَا رَجُلٌ فَقِيهٌ قَاضٍ، وَلَا يَجُوزُ لِي أَنْ أُبَايِعَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدِي خَلْعُ الْمُتَقَدِّمِ.
فَأَحْضَرُوا الشُّهُودَ، وَشَهِدُوا عِنْدِي فِي الدِّيوَانِ بِمَا أَوْجَبَ خَلْعَهُ، فَقُلْتُ:
هَذَا ثَابِتٌ لَا كَلَامَ فِيهِ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ لَنَا فِي هَذِهِ الدَّعْوَةِ مِنْ نَصِيبٍ؛ لِأَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ حَصَلَ لَهُ خِلَافَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَالسُّلْطَانِ، فَقَدِ اسْتَرَاحَ مِمَّنْ كَانَ يَقْصِدُهُ، وَنَحْنُ بِأَيِّ شَيْءٍ نَعُودُ؟ فَرُفِعَ الْأَمْرُ إِلَى الْخَلِيفَةِ، فَأَمَرَ أَنْ يُعْطَى أَتَابَكْ زَنْكِي صَرِيفِينَ، وَدَرْبَ هَرْوَنَ، وَحَرْبَى مُلْكَا، وَهِيَ مِنْ خَاصِّ الْخَلِيفَةِ، وَيُزَادُ فِي أَلْقَابِهِ، وَقَالَ: هَذِهِ قَاعِدَةٌ لَمْ يُسْمَحْ بِهَا لِأَحَدٍ مِنْ زُعَمَاءِ الْأَطْرَافِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ نَصِيبٌ فِي خَاصِّ الْخَلِيفَةِ.
فَبَايَعْتُ وَعُدْتُ مَقْضِيَّ الْحَوَائِجِ قَدْ حَصَلَ لِي جُمْلَةٌ صَالِحَةٌ مِنَ الْمَالِ وَالتُّحَفِ.
وَكَانَتْ بَيْعَةً، وَخُطِبَ لِلْمُقْتَفِي فِي الْمَوْصِلِ فِي رَجَبٍ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمَائَةٍ، وَلَمَّا عَادَ كَمَالُ الدَّيْنِ بْنُ الشَّهْرَزُورِيِّ سُيِّرَ عَلَى يَدِهِ الْمُحْضَرُ الَّذِي عَمِلَ بِخَلْعِ الرَّاشِدِ، فَحَكَمَ بِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ الزَّيْنَبِيُّ بِالْمَوْصِلِ (وَكَانَ عِنْدَ أَتَابَكْ زَنْكِي) .
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَزَلَ السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ وَزِيرَهُ شَرَفَ الدِّينِ أَنُوشِرْوَانَ بْنَ خَالِدٍ، وَعَادَ إِلَى بَغْدَادَ، وَأَقَامَ بِدَارِهِ مَعْزُولًا، وَوَزَرَ بَعْدَهُ كَمَالُ الدَّيْنِ أَبُو الْبَرَكَاتِ بْنُ سَلَمَةَ الدَّرْكَزِينِيُّ، وَهُوَ مِنْ خُرَاسَانَ.