الطَّاعَةِ وَالِانْقِيَادِ لِمَا يَحْكُمُ بِهِ السُّلْطَانُ سَنْجَرُ شَيْئًا كَثِيرًا.
وَعَادَ الْمُقَرَّبُ جَوْهَرٌ وَمَعَهُ بَهْرَامْ شَاهْ إِلَى سَنْجَرَ، فَسَبَقَهُ الْمُقَرَّبُ إِلَى السُّلْطَانِ سَنْجَرَ، وَأَعْلَمَهُ بِوُصُولِ بَهْرَامْ شَاهْ، وَأَنَّهُ بُكْرَةَ غَدٍ يَكُونُ عِنْدَهُ، وَعَادَ الْمُقَرَّبُ إِلَى بَهْرَامْ شَاهْ لِيَجِيءَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَرَكِبَ سَنْجَرُ مِنَ الْغَدِ فِي مَوْكِبِهِ لِتَلَقِّيهِ، وَتَقَدَّمَ بَهْرَامْ شَاهْ وَمَعَهُ الْمُقَرَّبُ إِلَى سَنْجَرَ، فَلَمَّا عَايَنَ مَوْكِبَ سَنْجَرَ وَالْجُتْرُ عَلَى رَأْسِهِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ عَائِدًا، فَأَمْسَكَ الْمُقَرَّبُ عَنَانَهُ، وَقَبَّحَ فِعْلَهُ، وَخَوَّفَهُ عَاقِبَةَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَرْجِعْ، وَوَلَّى هَارِبًا، وَلَمْ يُصَدِّقْ بِنَجَاتِهِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ سَنْجَرَ يَأْخُذُهُ، وَيَمْلِكُ بَلَدَهُ، وَتَبِعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَخَوَاصِّهِ، وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى غَزْنَةَ، وَسَارَ سَنْجَرُ إِلَى غَزْنَةَ فَدَخَلَهَا، وَمَلَكَهَا، وَاحْتَوَى عَلَى مَا فِيهَا، وَجَبَى أَمْوَالَهَا، وَكَتَبَ إِلَى بَهْرَامْ شَاهْ كِتَابًا يَلُومُهُ عَلَى مَا فَعَلَهُ، وَيَحْلِفُ لَهُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِهِ سُوءًا، وَلَا لَهُ فِي بَلَدِهِ مَطْمَعٌ، وَلَا هُوَ مِمَّنْ يُكَدِّرُ صَنِيعَتَهُ، وَتُعْقَبُ حَسَنَتُهُ مَعَهُ بِسَيِّئَةٍ، وَإِنَّمَا قَصَدَهُ لِإِصْلَاحِهِ، فَأَعَادَ بَهْرَامْ شَاهَ الْجَوَابَ يَعْتَذِرُ وَيَتَنَصَّلُ، وَيَقُولُ: إِنَّ الْخَوْفَ مَنَعَهُ مِنَ الْحُضُورِ، وَلَا لَوْمَ عَلَى مَنْ خَافَ مِثْلَ السُّلْطَانِ، وَيَضْرَعُ فِي عَوْدِهِ إِلَى الْإِحْسَانِ، فَأَجَابَهُ سَنْجَرُ إِلَى إِعَادَةِ بَلَدِهِ إِلَيْهِ، وَفَارَقَ غَزْنَةَ عَائِدًا إِلَى بِلَادِهِ، فَوَصَلَ إِلَى بَلَخٍ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَخَمْسِمَائَةٍ، وَاسْتَقَرَّ مُلْكُ غَزْنَةَ لِبَهْرَامْ شَاهْ، وَرَجَعَ إِلَيْهَا مَالِكًا لَهَا وَمُسْتَوْلِيًا عَلَيْهَا.
ذِكْرُ قَتْلِ دُبَيْسِ بْنِ صَدَقَةَ بِالتَّارِيخِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ قَتَلَ السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ دُبَيْسَ بْنَ صَدَقَةَ عَلَى بَابِ سُرَادِقِهِ بِظَاهِرِ خُوَنْجَ، أَمَرَ غُلَامًا أَرْمِينِيًّا بِقَتْلِهِ، فَوَقَفَ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَنْكُتُ الْأَرْضَ بِإِصْبَعِهِ، فَضَرَبَ رَقَبَتَهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، وَكَانَ ابْنُهُ صَدَقَةُ بِالْحِلَّةِ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ عَسْكَرُ أَبِيهِ وَمَمَالِيكُهُ، وَكَثُرَ جَمْعُهُ، وَاسْتَأْمَنَ إِلَيْهِ الْأَمِيرُ قَتْلَغْ تِكِينْ، وَأَمَرَ السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ بِكْ أَبَهْ أَنْ يَأْخُذَ الْحِلَّةِ، فَسَارَ بَعْضُ عَسْكَرِهِ إِلَى الْمَدَائِنِ، وَأَقَامُوا مُدَّةً يَنْتَظِرُونَ لِحَاقَ بِكْ أَبَهْ بِهِمْ فَلَمْ يَسِرْ إِلَيْهِمْ جُبْنًا وَعَجْزًا عَنْ قَصْدِ الْحِلَّةِ لِكَثْرَةِ الْعَسْكَرِ بِهَا مَعَ صَدَقَةَ.
وَبَقِيَ صَدَقَةُ بِالْحِلَّةِ إِلَى أَنْ قَدِمَ السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ إِلَى بَغْدَادَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمَائَةٍ فَقَصَدَهُ