الْحَافِظُ إِلَى الْجُنْدِ يَقُولُ لَهُمْ:
إِنَّهُ قَدْ مَاتَ. فَقَالُوا:
نُرِيدُ [أَنْ] نَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَأَحْضَرَ بَعْضَهُمْ عِنْدَهُ فَرَأَوْهُ، وَظَنُّوهُ قَدْ عَمِلَ حِيلَةً، فَجَرَحُوا أَسَافِلَ رِجْلَيْهِ فَلَمْ يَجْرِ مِنْهَا دَمٌ، فَعَلِمُوا مَوْتَهُ، وَخَرَجُوا.
وَدُفِنَ حَسَنٌ، وَأَحْضَرَ الْحَافِظُ الطَّبِيبَ الْمُسْلِمَ، وَقَالَ لَهُ:
يَنْبَغِي أَنْ تَخْرُجَ مِنْ عِنْدِنَا مِنَ الْقَصْرِ، وَجَمِيعُ مَا لَكَ مِنِ الْإِنْعَامِ وَالْجَامِكِيَّةِ بَاقٍ عَلَيْكَ، وَأَحْضَرَ الْيَهُودِيَّ وَزَادَهُ وَقَالَ لَهُ: أَعْلَمُ أَنَّكَ تَعْرِفُ مَا طَلَبْتُهُ مِنْكَ، وَلَكِنَّكَ عَاقِلٌ فَتُقِيمُ فِي الْقَصْرِ عِنْدَنَا.
وَكَانَ حَسَنٌ سَيِّئَ السِّيرَةِ ظَالِمًا، جَرِيئًا عَلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ، فَهَجَاهُ الشُّعَرَاءُ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَ الْمُعْتَمِدُ بْنُ الْأَنْصَارِيِّ صَاحِبُ التَّرَسُّلِ الْمَشْهُورِ:
لَمْ تَأْتِ يَا حَسَنٌ بَيْنَ الْوَرَى حَسَنَا ... وَلَمْ تَرَ الْحَقَّ فِي دُنْيَا وَلَا دِينِ
قَتْلُ النُّفُوسِ بِلَا جُرْمٍ وَلَا سَبَبٍ ... وَالْجَوْرُ فِي أَخْذِ أَمْوَالِ الْمَسَاكِينِ
لَقَدْ جَمَعْتَ بِلَا عِلْمٍ وَلَا أَدَبٍ ... تِيهَ الْمُلُوكِ وَأَخْلَاقَ الْمَجَانِينِ
وَقِيلَ: إِنَّ الْحَافِظَ لَمَّا رَأَى ابْنَهُ تَغَلَّبَ عَلَى الْمُلْكِ وَضَعَ عَلَيْهِ مَنْ سَقَاهُ السُّمَّ فَمَاتَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمَّا مَاتَ حَسَنٌ اسْتَوْزَرَ الْحَافِظُ الْأَمِيرَ تَاجَ الدَّوْلَةِ بَهْرَامَ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا فَتَحَكَّمَ، وَاسْتَعْمَلَ الْأَرْمَنَ عَلَى النَّاسِ، فَاسْتَذَلُّوا الْمُسْلِمِينَ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ ذَلِكَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمَائَةٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ مَسِيرِ الْمُسْتَرْشِدِ إِلَى حَرْبِ السُّلْطَانِ مَسْعُودٍ وَانْهِزَامِهِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتِ الْحَرْبُ بَيْنَ الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَرْشِدِ بِاللَّهِ وَبَيْنَ السُّلْطَانِ مَسْعُودٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ السُّلْطَانَ مَسْعُودًا لَمَّا سَافَرَ مِنْ بَغْدَادَ إِلَى هَمَذَانَ بَعْدَ مَوْتِ أَخِيهِ طُغْرُلَ وَمَلَكَهَا - فَارَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْيَانِ الْأُمَرَاءِ مِنْهُمْ يَرَنْقُشُ بَازْدَارْ،