الْمَلِكِ تُتُشِ بْنِ أَلْبْ أَرْسِلَانْ، وَكَانَ عَاقِلًا خَيَّرَا، كَثِيرَ الْغَزَوَاتِ وَالْجِهَادِ لِلْفِرِنْجِ، حَسَنَ السِّيرَةِ فِي رَعِيَّتِهِ، مُؤْثِرًا لِلْعَدْلِ فِيهِمْ، وَكَانَ لَقَبُهُ ظَهِيرَ الدِّينِ، وَلَمَّا تُوُفِّيَ مَلَكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ تَاجُ الْمُلُوكِ بُورِي وَهُوَ أَكْبَرُ أَوْلَادِهِ، بِوَصِيَّةٍ مِنْ وَالِدِهِ لَهُ بِالْمُلْكِ، وَأَقَرَّ وَزِيرُ أَبِيهِ أَبُو عَلِيٍّ طَاهِرُ بْنُ سَعْدٍ الْمَزْدُقَانِيُّ عَلَى وِزَارَتِهِ.
وَفِيهَا فِي مُسْتَهَلِّ رَجَبٍ، تُوُفِّيَ الْوَزِيرُ جَلَالُ الدِّينِ أَبُو عَلِيِّ بْنُ صَدَقَةَ وَزِيرُ الْخَلِيفَةِ، وَكَانَ حَسَنَ السِّيرَةِ، جَمِيلَ الطَّرِيقَةِ، مُتَوَاضِعًا، مُحِبًّا لِأَهْلِ الْعِلْمِ، مُكْرِمًا لَهُمْ، وَلَهُ شِعْرٌ حَسَنٌ، فَمِنْهُ فِي مَدْحِ الْمُسْتَرْشِدِ بِاللَّهِ:
وَجَدْتُ الْوَرَى كَالْمَاءِ طَعْمًا وَرِقَّةً ... وَأَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ زُلَالُهُ
وَصَوَّرْتُ مَعْنَى الْعَقْلِ شَخْصًا مُصَوَّرًا ... وَأَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِثَالُهُ
وَلَوْلَا طَرِيقُ الدِّينِ وَالشَّرْعِ وَالتُّقَى ... لَقُلْتُ مِنَ الْإِعْظَامِ جَلَّ جَلَالُهُ
وَأُقِيمَ فِي النِّيَابَةِ بَعْدَهُ شَرَفُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ طِرَادٍ الزَّيْنَبِيُّ، ثُمَّ جُعِلَ وَزِيرًا، وَخُلِعَ عَلَيْهِ آخِرَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ [وَخَمْسِمَائَةٍ] ، وَلَمْ يَزِرْ لِلْخُلَفَاءِ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ هَاشِمِيٌّ غَيْرُهُ.
وَفِيهَا هَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ اسْوَدَّتْ لَهَا الْآفَاقُ، وَجَاءَتْ بِتُرَابٍ أَحْمَرَ يُشْبِهُ الرَّمْلَ، وَظَهَرَ فِي السَّمَاءِ أَعْمِدَةٌ كَأَنَّهَا نَارٌ، فَخَافَ النَّاسُ وَعَدَلُوا إِلَى الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ، فَانْكَشَفَ عَنْهُمْ مَا يَخَافُونَهُ.