فَأَتَاهُ كِتَابُ ابْنِهِ عِزِّ الدِّينِ مَسْعُودٍ يُخْبِرُهُ أَنَّ الصُّلْحَ قَدِ اسْتَقَرَّ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، فَانْكَسَرَ نَشَاطُهُ، حَيْثُ جَرَى هَذَا الْأَمْرُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، وَعَادَ نَحْوَ بَغْدَاذَ، وَعَبَرَ إِلَى الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ، وَعَبَرَ مَنْصُورٌ وَحُسَيْنٌ فَسَارَا فِي عَسْكَرِهِمَا خَلْفَهُ، فَوَصَلَا بَغْدَاذَ عِنْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، فَنَزَلَا عِنْدَ جَامِعِ السُّلْطَانِ.

وَسَارَ الْبُرْسُقِيُّ إِلَى الْمَلِكِ مَسْعُودٍ فَأَخَذَ بَرَكَهُ وَمَالَهُ وَعَادَ إِلَى بَغْدَاذَ فَخَيَّمَ عِنْدَ الْقَنْطَرَةِ الْعَتِيقَةِ، وَأَصْعَدَ الْمَلِكُ مَسْعُودٌ، وَجُيُوشْ بِكْ، فَنَزَلَا عِنْدَ الْبِيمَارِسْتَانِ، وَأَصْعَدَ دُبَيْسٌ وَمَنْكُبَرْسُ فَخَيَّمَا تَحْتَ الرَّقَّةِ، وَأَقَامَ عِزُّ الدِّينِ مَسْعُودُ بْنُ الْبُرْسُقِيِّ عِنْدَ مَنْكُبَرْسَ مُنْفَرِدًا عَنْ أَبِيهِ.

وَكَانَ سَبَبُ هَذَا الصُّلْحِ أَنَّ جُيُوشْ بِكْ كَانَ قَدْ أَرْسَلَ إِلَى السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ يَطْلُبُ الزِّيَادَةَ لَهُ وَلِلْمَلِكِ مَسْعُودٍ، فَوَصَلَ كِتَابُ الرَّسُولِ مِنَ الْعَسْكَرِ يَذْكُرُ أَنَّهُ لَقِيَ مِنَ السُّلْطَانِ إِحْسَانًا كَثِيرًا، وَأَنَّهُ أَقْطَعَهُمَا أَذْرَبِيجَانَ، فَلَمَّا بَلَغَهُ رَحِيلُهُمَا إِلَى بَغْدَاذَ اعْتَقَدَ أَنَّهُمَا قَدْ عَصَيَا عَلَيْهِ، فَعَادَ عَمَّا كَانَ اسْتَقِرَّ، وَيَقُولُ إِنَّ السُّلْطَانَ قَدْ جَهَّزَ عَسْكَرًا إِلَى الْمَوْصِلِ، فَوَقَعَ الْكِتَابُ بِيَدِ مَنْكُبَرْسَ، فَأَرْسَلَهُ إِلَى جُيُوشْ بِكْ، وَضَمِنَ لَهُ إِصْلَاحَ السُّلْطَانِ لَهُ وَلِلْمَلِكِ مَسْعُودٍ، وَكَانَ مَنْكُبَرْسَ مُتَزَوِّجًا بِأُمِّ الْمَلِكِ مَسْعُودٍ، وَاسْمُهَا سَرْجَهَانَ، وَكَانَ يُؤْثِرُ مَصْلَحَتَهُ لِذَلِكَ وَاسْتَقَرَّ الصُّلْحُ، وَخَافَا مِنَ الْبُرْسُقِيِّ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ، فَاتَّفَقَا عَلَى إِرْسَالِ الْعَسْكَرِ دَرْزِيجَانَ لِيَنْفُذَ فِي مُقَابَلَتِهِ الْبُرْسُقِيُّ لِيَخْلُوَ الْعَسْكَرُ مِنْهُ، وَيَقَعَ الِاتِّفَاقُ، فَكَانَ الْأَمْرُ فِي مَسِيرِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

وَكَانَ الْبُرْسُقِيُّ مَحْبُوبًا لَدَى أَهْلِ بَغْدَاذَ لِحُسْنِ سِيرَتِهِ فِيهِمْ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ الصُّلْحُ وَوَصَلُوا إِلَى بَغْدَاذَ، تَفَرَّقَ عَنِ الْبُرْسُقِيِّ أَصْحَابُهُ وَجُمُوعُهُ، وَبَطَلَ مَا كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَهُ مِنَ التَّغَلُّبِ عَلَى الْعِرَاقِ بِغَيْرِ أَمْرِ السُّلْطَانِ، وَسَارَ عَنِ الْعِرَاقِ إِلَى الْمَلِكِ مَسْعُودٍ، فَأَقَامَ مَعَهُ، وَاسْتَقَرَّ مَنْكُبَرْسَ فِي شِحْنَكِيَّةَ بَغْدَاذَ، وَوَدَّعَهُ دُبَيْسُ بْنُ صَدَقَةَ، وَعَادَ إِلَى الْحِلَّةِ، بَعْدَ أَنْ طَالَبَ بِدَارِ أَبِيهِ بِدَرْبِ فَيْرُوزَ وَكَانَتْ قَدْ دَخَلَتْ فِي جَامِعِ الْقَصْرِ بِبَغْدَاذَ، فَصُولِحَ عَنْهَا بِمَالٍ.

وَأَقَامَ مَنْكُبَرْسَ بِبَغْدَاذَ يَظْلِمُ، وَيَعْسِفُ الرَّعِيَّةَ، وَيُصَادِرُهُمْ، فَاخْتَفَى أَرْبَابُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015