وَلَمَّا سَمِعَ الْمُوَكَّلُونَ بِالْأَسْرَى الْمَأْخُوذِينَ مِنْ كَفَرْطَابَ ذَلِكَ قَتَلُوهُمْ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ الْمُوَكَّلُ بِإِيَّازَ بْنِ إِيلْغَازِي قَتَلَهُ أَيْضًا، وَخَافَ أَهْلُ حَلَبَ وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي بِالشَّامِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَرْجُونَ النَّصْرَ مِنْ جِهَةِ هَذَا الْعَسْكَرِ، فَأَتَاهُمْ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحِسَابِ، وَعَادَتِ الْعَسَاكِرُ عَنْهُمْ إِلَى بِلَادِهَا.
وَأَمَّا بُرْسُقُ وَأَخُوهُ زِنْكِيٌّ فَإِنَّهُمَا تُوُفِّيَا فِي سَنَةِ عَشْرٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَكَانَ بُرْسُقُ خَيِّرًا، دَيِّنًا، وَقَدْ نَدِمَ عَلَى الْهَزِيمَةِ، وَهُوَ يَتَجَهَّزُ لِلْعَوْدِ إِلَى الْغَزَاةِ، فَأَتَاهُ أَجَلُهُ.
ذِكْرُ مُلْكِ الْفِرِنْجِ رَفَنِيَّةَ وَأَخْذِهَا مِنْهُمْ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ، مَلَكَ الْفِرِنْجُ رَفَنِيَّةَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ وَهِيَ لِطُغْتِكِينَ، صَاحِبِ دِمَشْقَ، وَقَوَّوْهَا بِالرِّجَالِ وَالذَّخَائِرِ، وَبَالَغُوا فِي تَحْصِينِهَا، فَاهْتَمَّ طُغْتِكِينُ لِذَلِكَ، وَقَوِيَ عَزْمُهُ عَلَى قَصْدِ بِلَادِ الْفِرِنْجِ بِالنَّهْبِ لَهَا وَالتَّخْرِيبِ، فَأَتَاهُ الْخَبَرُ عَنْ رَفَنِيَّةَ بِخُلُوِّهَا مِنْ عَسْكَرٍ يَمْنَعُ عَنْهَا، وَلَيْسَ هُنَاكَ إِلَّا الْفِرِنْجُ الَّذِينَ رَتَّبُوا لِحِفْظِهَا، فَسَارَ إِلَيْهَا جَرِيدَةً، فَلَمْ يَشْعُرْ مَنْ بِهَا إِلَّا وَقَدْ هَجَمَ عَلَيْهِمُ الْبَلَدَ فَدَخَلَهُ عَنْوَةً وَقَهَرًا، وَأَخَذَ كُلَّ مَنْ فِيهِ مِنَ الْفِرِنْجِ أَسِيرًا، فَقَتَلَ الْبَعْضَ، وَتَرَكَ الْبَعْضَ وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ سَوَادِهِمْ، وَكُرَاعِهِمْ، وَذَخَائِرِهِمْ مَا امْتَلَأَتْ مِنْهُ أَيْدِيهِمْ، وَعَادُوا إِلَى بِلَادِهِمْ سَالِمِينَ.
ذِكْرُ وَفَاةِ يَحْيَى بْنِ تَمِيمٍ وَوِلَايَةِ ابْنِهِ عَلِيٍّ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ يَحْيَى بْنُ تَمِيمِ بْنِ الْمُعِزِّ بْنِ بَادِيسَ، صَاحِبُ إِفْرِيقِيَّةَ يَوْمَ عِيدِ الْأَضْحَى، فَجْأَةً، وَكَانَ مُنَجِّمٌ قَدْ قَالَ لَهُ فِي مُنَسْتِيرَ مَوْلِدِهِ إِنَّ عَلَيْهِ قَطْعًا فِي هَذَا الْيَوْمِ، فَلَا يَرْكَبُ، فَلَمْ يَرَكَبْ، وَخَرَجَ أَوْلَادُهُ، وَأَهْلُ دَوْلَتِهِ إِلَى الْمُصَلَّى، فَلَمَّا انْقَضَتِ الصَّلَاةُ