فَحَصَرَهُ، وَمَلَكَهُ بِالسَّيْفِ، وَقَتَلَ كُلَّ مَنْ فِيهِ، وَعَادَ إِلَى الْفِرِنْجِ الَّذِينَ عَلَى صُورَ.
وَكَانَ يَقْطَعُ الْمِيرَةَ عَنْهُمْ فِي الْبَرِّ، فَأَحْضَرُوهَا فِي الْبَحْرِ، وَخَنْدَقُوا عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَخْرُجُوا إِلَيْهِ، فَسَارَ إِلَى صَيْدَا، وَأَغَارَ عَلَى ظَاهِرِهَا، فَقَتَلَ جَمَاعَةً مِنَ الْبَحْرِيَّةِ، وَأَحْرَقَ نَحْوَ عِشْرِينَ مَرْكِبًا عَلَى السَّاحِلِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُوَاصِلُ أَهْلَ صُورَ بِالْكُتُبِ يَأْمُرُهُمْ بِالصَّبْرِ وَالْفِرِنْجُ يُلَازِمُونَ قِتَالَهُمْ، وَقَاتَلَ أَهْلُ صُورَ قِتَالَ مَنْ أَيِسَ مِنَ الْحَيَاةِ، فَدَامَ الْقِتَالُ إِلَى أَوَانِ إِدْرَاكِ الْغَلَّاتِ، فَخَافَ الْفِرِنْجُ أَنَّ طُغْتِكِينَ يَسْتَوْلِي عَلَى غَلَّاتِ بِلَادِهِمْ، فَسَارُوا عَنِ الْبَلَدِ، عَاشِرَ شَوَّالٍ، إِلَى عَكَّةَ، وَعَادَ عَسْكَرُ طُغْتِكِينَ إِلَيْهِ، وَأَعْطَاهُمْ أَهْلُ صُورَ الْأَمْوَالَ وَغَيْرَهَا، ثُمَّ أَصْلَحُوا مَا تَشَعَّثَ مِنْ سُورِهَا وَخَنْدَقِهَا، وَكَانَ الْفِرِنْجُ قَدْ طَمَّوْهُ.
ذِكْرُ انْهِزَامِ الْفِرِنْجِ بِالْأَنْدَلُسِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَ أَذْفُونْشُ الْفِرِنْجِيُّ، صَاحِبُ طُلَيْطِلَةَ بِالْأَنْدَلُسِ، إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ بِهَا، يَطْلُبُ مِلْكَهَا، وَالِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهَا، وَجَمَعَ وَحَشَدَ فَأَكْثَرَ، وَكَانَ قَدْ قَوِيَ طَمَعُهُ فِيهَا بِسَبَبِ مَوْتِ أَمِيرِ الْمُسْلِمِينَ يُوسُفَ بْنِ تَاشَفِينَ، فَسَمِعَ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ بْنِ تَاشَفِينَ الْخَبَرَ، فَسَارَ إِلَيْهِ عَسَاكِرُهُ وَجُمُوعُهُ، فَلَقِيَهُ، فَاقْتَتَلُوا، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، وَكَانَ الظَّفَرُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَانْهَزَمَ الْفِرِنْجُ، وَقُتِّلُوا قَتْلًا ذَرِيعًا، وَأُسِرَ مِنْهُمْ بَشَرٌ كَثِيرٌ، وَسُبِيَ مِنْهُمْ، وَغُنِمَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْإِحْصَاءِ، فَخَافَهُ الْفِرِنْجُ، بَعْدَ ذَلِكَ، وَامْتَنَعُوا مِنْ قَصْدِ بِلَادِهِ، وَذُلَّ أَذْفُونْشُ حِينَئِذٍ وَعَلِمَ أَنَّ فِي الْبِلَادِ حَامِيًا لَهَا، وَذَابًّا عَنْهَا.
[الْوَفَيَاتُ]
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ، تُوُفِّيَ الْإِمَامُ أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْغَزَالِيُّ، الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ