وَفَقْرٌ، وَعَادُوا إِلَى الْفُرَاتِ فَعَبَرُوهُ إِلَى الْجَانِبِ الشَّامِيِّ، وَطَرَقُوا أَعْمَالَ حَلَبَ، فَأَفْسَدُوا مَا فِيهَا، وَنَهَبُوهَا، وَقَتَلُوا فِيهَا وَأَسَرُوا، وَسَبَوْا خَلْقًا كَثِيرًا.
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْفِرِنْجَ لَمَّا عَبَرُوا إِلَى الْجَزِيرَةِ خَرَجَ الْمَلِكُ رِضْوَانُ، صَاحِبُ حَلَبَ، إِلَى مَا أَخَذَهُ الْفِرِنْجُ مِنْ أَعْمَالِهَا، فَاسْتَعَادَ بَعْضَهُ، وَنَهَبَ مِنْهُمْ وَقَتَلَ، فَلَمَّا عَادُوا وَعَبَرُوا الْفُرَاتَ فَعَلُوا بِأَعْمَالِهِ مَا فَعَلُوا.
وَأَمَّا الْعَسْكَرُ السُّلْطَانِيُّ فَلَمَّا سَمِعُوا بِعَوْدِ الْفِرِنْجِ وَعُبُورِهِمُ الْفُرَاتَ، رَحَلُوا إِلَى الرُّهَا وَحَصَرُوهَا، فَرَأَوْا أَمْرًا مُحْكَمًا، قَدْ قَوِيَتْ نُفُوسُ أَهْلِهَا بِالذَّخَائِرِ الَّتِي تُرِكَتْ عِنْدَهُمْ، وَبِكَثْرَةِ الْمُقَاتِلِينَ عَنْهُمْ، وَلَمْ يَجِدُوا فِيهَا مَطْمَعًا، فَرَحَلُوا عَنْهَا، وَعَبَرُوا الْفُرَاتَ، فَحَصَرُوا قَلْعَةَ تَلِّ بَاشِرَ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَرَحَلُوا عَنْهَا وَلَمْ يَبْلُغُوا غَرَضًا.
وَوَصَلُوا إِلَى حَلَبَ، فَأَغْلَقَ الْمَلِكُ رِضْوَانُ أَبْوَابَ الْبَلَدِ، وَلَمْ يَجْتَمِعْ بِهِمْ، ثُمَّ مَرِضَ هُنَاكَ الْأَمِيرُ سُكْمَانُ الْقُطْبِيُّ، فَعَادَ مَرِيضًا، فَتُوُفِّيَ فِي بَالِسَ، فَجَعَلَهُ أَصْحَابُهُ فِي تَابُوتٍ، وَحَمَلُوهُ عَائِدِينَ إِلَى بِلَادِهِ، فَقَصَدَهُمْ إِيلْغَازِي لِيَأْخُذَهُمْ، وَيَغْنَمَ مَا مَعَهُمْ، فَجَعَلُوا تَابُوتَهُ فِي الْقَلْبِ، وَقَاتَلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَانْهَزَمَ إِيلْغَازِي، وَغَنِمُوا مَا مَعَهُ، وَسَارُوا إِلَى بِلَادِهِمْ.
وَلَمَّا أَغْلَقَ الْمَلِكُ رِضْوَانُ أَبْوَابَ حَلَبَ، وَلَمْ يَجْتَمِعْ بِالْعَسَاكِرِ السُّلْطَانِيَّةِ، رَحَلُوا إِلَى مَعَرَّةِ النُّعْمَانِ، وَاجْتَمَعَ بِهِمْ طُغْتِكِينُ، صَاحِبُ دِمَشْقَ، وَنَزَلَ عَلَى الْأَمِيرِ مَوْدُودٍ، فَاطَّلَعَ مِنَ الْأُمَرَاءِ عَلَى نِيَّاتٍ فَاسِدَةٍ فِي حَقِّهِ، فَخَافَ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ دِمَشْقُ، فَشَرَعَ فِي مُهَادَنَةِ الْفِرِنْجِ سِرًّا وَكَانُوا قَدْ نَكَلُوا عَنْ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ يَتِمَّ ذَلِكَ، وَتَفَرَّقَتِ الْعَسَاكِرُ.
وَكَانَ سَبَبُ تَفَرُّقِهِمْ أَنَّ الْأَمِيرَ بُرْسُقَ بْنَ بُرْسُقَ الَّذِي هُوَ أَكْبَرُ الْأُمَرَاءِ كَانَ بِهِ نِقْرِسٌ، فَهُوَ يُحْمَلُ فِي مِحَفَّةٍ، وَمَاتَ سُكْمَانُ الْقُطْبِيُّ، كَمَا ذَكَرْنَا، وَأَرَادَ الْأَمِيرُ أَحْمَدَيْلُ صَاحِبُ مَرَاغَةَ الْعَوْدَ، لِيَطْلُبَ مِنَ السُّلْطَانِ أَنْ يُقْطِعَهُ مَا كَانَ لِسُكْمَانَ مِنَ