فَأَمَّا أَصْبَهْبَذُ صَبَاوَةَ فَسَارَ نَحْوَ الشَّامِ، وَأَمَّا بَدْرَانُ بْنُ صَدَقَةَ فَسَارَ إِلَى قَلْعَةِ جَعْبَرَ، وَأَمَّا ابْنُ جَكَرْمِشُ فَقَصَدَ جَزِيرَةَ ابْنِ عُمَرَ، وَأَمَّا جَاوْلِي فَقَصَدَ الرَّحْبَةَ، وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَنَهَبَ صَاحِبُ أَنْطَاكِيَةَ أَمْوَالَهُمْ وَأَثْقَالَهُمْ، وَعَظُمَ الْبَلَاءُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْفِرِنْجِ، وَهَرَبَ الْقُمَّصُ وَجُوسْلِينُ إِلَى تَلِّ بَاشِرَ وَالْتَجَأَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَفَعَلَا مَعَهُمُ الْجَمِيلَ، وَدَاوَيَا الْجَرْحَى وَكَسَوَا الْعُرَاةَ، وَسَيَّرَاهُمْ إِلَى بِلَادِهِمْ.

ذِكْرُ عَوْدِ جَاوْلِي إِلَى السُّلْطَانِ

لَمَّا انْهَزَمَ جَاوْلِي سَقَّاوُو قَصَدَ الرَّحْبَةَ، فَلَمَّا قَارَبَهَا بَاتَ دُونَهَا فِي عِدَّةِ فَوَارِسَ، فَاتَّفَقَ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ عَسْكَرِ الْأَمِيرِ مَوْدُودٍ، الَّذِينَ أَخَذُوا الْمَوْصِلَ مِنْهُ، أَغَارُوا عَلَى قَوْمٍ مِنَ الْعَرَبِ يُجَاوِرُونَ الرَّحْبَةَ فَقَارَبُوا جَاوْلِي وَلَا يَشْعُرُونَ بِهِ، وَلَوْ عَلِمُوا لَأَخَذُوهُ.

فَلَمَّا رَأَى الْحَالَ كَذَلِكَ، عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُقِيمَ بِالْجَزِيرَةِ، وَلَا بِالشَّامِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ يَحْفَظُ بِهِ نَفْسَهُ، وَيَرْجِعُ إِلَيْهِ، وَيُدَاوِي بِهِ مَرَضَهُ، غَيْرَ قَصْدِ بَابِ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ عَنْ رَغْبَةٍ وَاخْتِيَارٍ، وَكَانَ وَاثِقًا بِالْأَمِيرِ حُسَيْنِ بْنِ قَتْلُغْتِكِينَ، فَرَحَلَ مِنْ مَكَانِهِ وَهُوَ خَائِفٌ حَذِرٌ، قَدْ أَخْفَى شَخْصَهُ وَكَتَمَ أَمْرَهُ، وَسَارَ إِلَى عَسْكَرِ السُّلْطَانِ، وَكَانَ بِالْقُرْبِ مِنْ أَصْبَهَانَ، فَوَصَلَ إِلَيْهِ فِي سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ مَكَانِهِ لِجِدِّهِ فِي السَّيْرِ، فَلَمَّا وَصَلَ الْمُعَسْكَرَ قَصَدَ الْأَمِيرَ حُسَيْنًا، فَحَمَلَهُ إِلَى السُّلْطَانِ، فَدَخَلَ إِلَيْهِ وَكَفَنُهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَأَمَّنَهُ، وَأَتَاهُ الْأُمَرَاءُ يُهَنُّونَهُ بِذَلِكَ، وَطَلَبَ مِنْهُ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ بِكْتَاشُ بْنُ تَكْشَ، فَسَلَّمَهُ إِلَيْهِ، فَاعْتَقَلَهُ بَأَصْبَهَانَ.

ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ طُغْتِكِينَ وَالْفِرِنْجِ وَالْهُدْنَةِ بَعْدَهَا

فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتْ حَرْبٌ شَدِيدَةٌ بَيْنَ طُغْتِكِينَ أَتَابِكَ وَالْفِرِنْجِ وَسَبَبُهَا أَنَّ طُغْتِكِينَ سَارَ إِلَى طَبَرِيَّةَ، وَقَدْ وَصَلَ إِلَيْهَا ابْنُ أُخْتِ بَغْدُوِينَ الْفِرِنْجِيِّ، مَلِكِ الْقُدْسِ، فَتَحَارَبَا وَاقْتَتَلَا، وَكَانَ طُغْتِكِينُ فِي أَلْفَيْ فَارِسٍ، وَكَثِيرٍ مِنَ الرَّجَّالَةِ وَكَانَ ابْنُ أُخْتِ مَلِكِ الْفِرِنْجِ فِي أَرْبَعِمِائَةِ فَارِسٍ، وَأَلْفَيْ رَاجِلٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015