وَاتَّفَقَ أَنْ ظَهَرَ بِنَهَاوَنْدَ أَيْضًا فِي هَذِهِ السَّنَةِ، رَجُلٌ مِنَ السَّوَادِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ، فَأَطَاعَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ السَّوَادِيَّةِ، اتَّبَعُوهُ، وَبَاعُوا أَمْلَاكَهُمْ وَدَفَعُوا إِلَيْهِ أَثْمَانَهَا، فَكَانَ يَخْرُجُ ذَلِكَ جَمِيعَهُ، وَسَمَّى أَرْبَعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ: أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيًّا، وَقُتِلَ بِنَهَاوَنْدَ، فَكَانَ أَهْلُهَا يَقُولُونَ: ظَهَرَ عِنْدَنَا، فِي مُدَّةِ شَهْرَيْنِ، اثْنَانِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا النُّبُوَّةَ، وَالْآخَرُ الْمَمْلَكَةَ، فَلَمْ يَتِمَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمْرُهُ.
ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ طُغْتِكِينَ والْفِرِنْجِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي صَفَرٍ، كَانَتْ وَقْعَةٌ بَيْنَ طُغْتِكِينَ أَتَابِكَ، صَاحِبِ دِمَشْقَ، وَبَيْنَ قُمَّصٍ كَبِيرٍ مَنْ قَمَامِصَةِ الْفِرِنْجِ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ: أَنَّهُ تَكَرَّرَتِ الْحُرُوبُ، وَالْمُغَاوَرَاتُ، بَيْنَ عَسْكَرِ دِمَشْقَ وَبَغْدَوِينَ، فَتَارَةً لِهَؤُلَاءِ وَتَارَةً لَهُ، فَفِي آخِرِ الْأَمْرِ بَنَى بَغْدَوِينُ حِصْنًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ دِمَشْقَ نَحْوَ يَوْمَيْنِ، فَخَافَ طُغْتِكِينُ مِنْ عَاقِبَةِ ذَلِكَ، وَمَا يَحْدُثُ بِهِ مِنَ الضَّرَرِ فَجَمَعَ عَسْكَرَهُ وَخَرَجَ إِلَى مُقَاتَلَتِهِمْ، فَسَارَ بَغْدَوِينُ مَلِكُ الْقُدْسِ، وَعَكَّا، وَغَيْرِهِمَا، إِلَى هَذَا الْقُمَّصِ لِيُعَاضِدَهُ، وَيُسَاعِدَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَعَرَّفَهُ الْقُمَّصُ غِنَاهُ عَنْهُ، وَأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مُقَارَعَةِ الْمُسْلِمِينَ إِنْ قَاتَلُوهُ، فَعَادَ بَغْدَوِينُ إِلَى عَكَّا.
وَتَقَدَّمَ طُغْتِكِينُ إِلَى الْفِرِنْجِ، وَاقْتَتَلُوا، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، فَانْهَزَمَ أَمِيرَانِ مِنْ عَسْكَرِ دِمَشْقَ، فَتَبِعَهُمَا طُغْتِكِينُ وَقَتَلَهُمَا، وَانْهَزَمَ الْفِرِنْجُ إِلَى حِصْنِهِمْ، فَاحْتَمَوْا بِهِ، فَقَالَ طُغْتِكِينُ: مَنْ أَحْسَنَ قِتَالَهُمْ وَطَلَبَ مِنِّي أَمْرًا فَعَلْتُهُ مَعَهُ، وَمَنْ أَتَانِي بِحَجَرٍ مِنْ حِجَارَةِ الْحِصْنِ أَعْطَيْتُهُ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ. فَبَذَلَ الرَّجَّالَةُ نُفُوسَهُمْ، وَصَعِدُوا إِلَى الْحِصْنِ وَخَرَّبُوهُ، وَحَمَلُوا حِجَارَتَهُ إِلَى طُغْتِكِينَ، فَوَفَّى لَهُمْ بِمَا وَعَدَهُمْ، وَأَمَرَ بِإِلْقَاءِ الْحِجَارَةِ