الْعَسْكَرِ، وَيَمْنَعُونَ الْمِيرَةَ عَنْهُمْ، فَدَامَ الْقِتَالُ عَلَيْهِمْ إِلَى عَاشِرِ جُمَادَى الْأُولَى، فَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى جَكَرْمِشَ بِوَفَاةِ السُّلْطَانِ بَرْكِيَارُقَ، فَأَحْضَرَ أَهْلَ الْبَلَدِ، وَاسْتَشَارَهُمْ فِيمَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ مَوْتِ السُّلْطَانِ، فَقَالُوا: أَمْوَالُنَا وَأَرْوَاحُنَا بَيْنَ يَدَيْكَ، وَأَنْتَ أَعْرَفُ بِشَأْنِكَ، فَاسْتَشِرِ الْجُنْدَ، فَهُمْ أَعْرَفُ بِذَلِكَ.

فَاسْتَشَارَ أُمَرَاءَهُ، فَقَالُوا: لَمَّا كَانَ السُّلْطَانُ حَيًّا قَدْ كُنَّا عَلَى الِامْتِنَاعِ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ أَحَدٌ مِنْ طُرُوقِ بَلَدِنَا، وَحَيْثُ تُوُفِّيَ فَلَيْسَ لِلنَّاسِ الْيَوْمَ سُلْطَانٌ غَيْرَ هَذَا، وَالدُّخُولُ تَحْتَ طَاعَتِهِ أَوْلَى.

فَأَرْسَلَ إِلَى مُحَمَّدٍ يَبْذُلُ الطَّاعَةَ، وَيَطْلُبُ وَزِيرَهُ سَعْدَ الْمُلْكِ لِيَدْخُلَ إِلَيْهِ، فَحَضَرَ الْوَزِيرُ عِنْدَهُ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: الْمَصْلَحَةُ أَنْ تَحْضُرَ السَّاعَةَ عِنْدَ السُّلْطَانِ، فَإِنَّهُ لَا يُخَالِفُكَ فِي جَمِيعِ مَا تَلْتَمِسُهُ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ وَقَامَ، فَسَارَ مَعَهُ جَكَرْمِشُ، فَلَمَّا رَآهُ أَهْلُ الْمَوْصِلِ قَدْ تَوَجَّهَ إِلَى السُّلْطَانِ، جَعَلُوا يَبْكُونَ، وَيَضِجُّونَ، وَيَحْثُونَ التُّرَابَ عَلَى رُءُوسِهِمْ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ أَقْبَلَ عَلَيْهِ، وَأَكْرَمَهُ، وَعَانَقَهُ، وَلَمْ يُمَكِّنْهُ مِنَ الْجُلُوسِ، وَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّ قُلُوبَهُمْ إِلَيْكَ، وَهُمْ مُتَطَلِّعُونَ إِلَى عَوْدِكَ، فَقَبَّلَ الْأَرْضَ وَعَادَ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ خَوَاصِّ السُّلْطَانِ، وَسَأَلَ السُّلْطَانَ مِنَ الْغَدِ أَنْ يَدْخُلَ الْبَلَدَ لِيُزَيَّنَ لَهُ، فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، فَعَمِلَ سِمَاطًا، بِظَاهِرِ الْمَوْصِلِ، عَظِيمًا، وَحُمِلَ إِلَى السُّلْطَانِ مِنَ الْهَدَايَا وَالتُّحَفِ وَلِوَزِيرِهِ أَشْيَاءَ جَلِيلَةَ الْمِقْدَارِ.

ذِكْرُ وُصُولِ السُّلْطَانِ إِلَى بَغْدَاذَ وَصُلْحِهِ مَعَ ابْنِ أَخِيهِ وَالْأَمِيرِ إِيَازَ

لَمَّا وَصَلَ خَبَرُ وَفَاةِ السُّلْطَانِ بَرْكِيَارُقَ إِلَى أَخِيهِ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ يُحَاصِرُ الْمَوْصِلَ، جَلَسَ لِلْعَزَاءِ، وَأَصْلَحَ جَكَرْمِشَ، صَاحِبَ الْمَوْصِلِ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَسَارَ إِلَى بَغْدَاذَ وَمَعَهُ سُكْمَانُ الْقُطْبِيُّ، وَهُوَ يُنْسَبُ إِلَى قُطْبِ الدَّوْلَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَاقُوتِي بْنِ دَاوُدَ، وَإِسْمَاعِيلُ ابْنُ عَمِّ مَلِكْشَاهْ، وَسَارَ مَعَهُ جَكَرْمِشُ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأُمَرَاءِ.

وَكَانَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ صَدَقَةُ، صَاحِبُ الْحِلَّةِ، قَدْ جَمَعَ خَلْقًا كَثِيرًا مِنَ الْعَسَاكِرِ، فَبَلَغَتْ عِدَّتُهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ فَارِسٍ، وَعَشَرَةَ آلَافِ رَاجِلٍ، وَأَرْسَلَ وَلَدَيْهِ بَدْرَانَ وَدُبَيْسًا إِلَى السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ يَسْتَحِثُّهُ عَلَى الْمَجِيءِ إِلَى بَغْدَاذَ، فَاسْتَصْحَبَهُمَا مَعَهُ إِلَى بَغْدَاذَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015