بِإِسْبِيذَرُوذَ، إِلَى بَابِ الْأَبْوَابِ، وَدِيَارِ بَكْرٍ، وَالْجَزِيرَةِ، وَالْمَوْصِلِ، وَالشَّامِ، وَيَكُونَ لَهُ مِنْ بِلَادِ الْعِرَاقِ بِلَادُ سَيْفِ الدَّوْلَةِ صَدَقَةَ.
فَأَجَابَ بَرْكِيَارُقُ إِلَى هَذَا، وَزَالَ الْخُلْفُ، وَالشَّغْبُ، وَأَرْسَلَ السُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ إِلَى أَصْحَابِهِ بأَصْبَهَانَ يَأْمُرُهُمْ بِالِانْصِرَافِ عَنِ الْبَلَدِ، وَتَسْلِيمِهِ إِلَى أَصْحَابِ أَخِيهِ، وَسَارَ السُّلْطَانُ بَرْكِيَارُقُ إِلَى أَصْبَهَانَ، فَلَمَّا سَلَّمَهَا إِلَيْهِ أَصْحَابُ أَخِيهِ دَعَاهُمْ إِلَى أَنْ يَكُونُوا مَعَهُ، وَفِي خِدْمَتِهِ، فَامْتَنَعُوا، وَرَأَوْا لُزُومَ خِدْمَةِ صَاحِبِهِمْ، فَسَمَّاهُمْ أَهْلُ الْعَسْكَرَيْنِ جَمِيعًا: أَهْلَ الْوَفَاءِ، وَتَوَجَّهُوا مِنْ أَصْبَهَانَ، وَمَعَهُمْ حَرِيمُ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ، إِلَيْهِ، وَأَكْرَمَهُمْ بَرْكِيَارُقُ، وَحَمَّلَ لِأَهْلِ أَخِيهِ الْمَالَ الْكَثِيرَ، وَمِنَ الدَّوَابِّ ثَلَاثَمِائَةِ جَمَلٍ، وَمِائَةً وَعِشْرِينَ بَغْلًا، تَحْمِلُ الثَّقَلَ، وَسَيَّرَ مَعَهُمُ الْعَسَاكِرَ يَخْدِمُونَهُمْ.
وَلَمَّا وَصَلَتْ رُسُلُ السُّلْطَانِ بَرْكِيَارُقَ إِلَى الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَظْهِرِ بِاللَّهِ بِالصُّلْحِ، وَمَا اسْتَقَرَّتِ الْقَوَاعِدُ عَلَيْهِ، حَضَرَ إِيلْغَازِي بِالدِّيوَانِ، وَسَأَلَ فِي إِقَامَةِ الْخُطْبَةِ لبَرْكِيَارُقَ، فَأُجِيبُ إِلَى ذَلِكَ، وَخُطِبَ لَهُ بِالدِّيوَانِ يَوْمَ الْخَمِيسَ تَاسِعَ عَشَرَ جُمَادَى الْأُولَى، وَخُطِبَ لَهُ، مِنَ الْغَدِ، بِالْجَوَامِعِ، وَخُطِبَ لَهُ أَيْضًا بِوَاسِطَ.
وَلَمَّا خَطَبَ إِيلْغَازِي بِبَغْدَاذَ لبَرْكِيَارُقَ، وَصَارَ فِي جُمْلَتِهِ، أَرْسَلَ الْأَمِيرُ صَدَقَةُ إِلَى الْخَلِيفَةِ يَقُولُ: كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَنْسُبُ إِلَيَّ كُلَّ مَا يَتَجَدَّدُ مِنْ إِيلْغَازِي مِنْ إِخْلَالٍ بِوَاجِبِ الْخِدْمَةِ، وَشَرْطِ الطَّاعَةِ، وَمِنَ اطِّرَاحِ الْمُرَاقَبَةِ، وَالْآنَ، فَقَدْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلسُّلْطَانِ الَّذِي اسْتَنَابَهُ، وَأَنَا غَيْرُ صَابِرٍ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ أَسِيرُ لِإِخْرَاجِهِ عَنْ بَغْدَاذَ.
فَلَمَّا سَمِعَ إِيلْغَازِي ذَلِكَ شَرَعَ فِي جَمْعِ التُّرْكُمَانِ، وَوَرَدَ صَدَقَةُ بَغْدَاذَ، فَنَزَلَ مُقَابِلَ التَّاجِ، وَقَبَّلَ الْأَرْضِ، وَنَزَلَ فِي مُخَيَّمِهِ بِالْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ، فَفَارَقَ إِيلْغَازِي بَغْدَاذَ إِلَى بَعْقُوبَا، وَأَرْسَلَ إِلَى صَدَقَةَ يَعْتَذِرُ عَنْ طَاعَتِهِ لبَرْكِيَارُقَ بِالصُّلْحِ الْوَاقِعِ، وَأَنَّ إِقْطَاعَهُ حُلْوَانَ وَغَيْرَهَا فِي جُمْلَةِ بِلَادِهِ، وَأَنَّ بَغْدَاذَ الَّتِي هُوَ شِحْنَةٌ فِيهَا قَدْ صَارَتْ لَهُ، فَذَلِكَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي طَاعَتِهِ. فَرَضِيَ عَنْهُ صَدَقَةُ، وَعَادَ إِلَى الْحِلَّةِ.