وَكَانَ مُقَدَّمُ الشَّافِعِيَّةِ أَبَا الْقَاسِمِ ابْنَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَبِي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيِّ، وَمُقَدَّمُ الْحَنَفِيَّةِ الْقَاضِيَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ صَاعِدٍ، وَهُمَا مُتَّفِقَانِ عَلَى الْكَرَامِيَّةِ، وَمُقَدَّمُ الْكَرَامِيَّةِ مُحَمَّشَادْ، فَكَانَ الظَّفَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ عَلَى الْكَرَامِيَّةِ، فَخَرِبَتْ مَدَارِسُهُمْ، وَقُتِلَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ، وَكَانَتْ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي رَبِيعِ الْآخِرِ، شَرَعَ الْخَلِيفَةُ فِي عَمَلِ سُورٍ عَلَى الْحَرِيمِ، وَأَذِنَ الْوَزِيرُ عَمِيدُ الدَّوْلَةِ بْنُ جَهِيرٍ لِلْعَامَّةِ فِي التَّفَرُّجِ وَالْعَمَلِ، فَزَيَّنُوا الْبَلَدَ، وَعَمِلُوا الْقِبَابَ، وَجَدُّوا فِي عِمَارَتِهِ.
وَفِيهَا، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، جُرِحَ السُّلْطَانُ بَرْكِيَارُقُ، جَرَحَهُ إِنْسَانٌ سِتْرِيٌّ لَهُ، مِنْ أَهْلِ سِجِسْتَانَ، فِي عَضُدِهِ، ثُمَّ أُخِذَ الرَّجُلُ، وَأَعَانَهُ رَجُلَانِ أَيْضًا مِنْ أَهْلِ سِجِسْتَانَ، فَلَمَّا ضُرِبَ الرَّجُلُ الْجَارِحُ اعْتَرَفَ أَنَّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ وَضَعَاهُ، وَاعْتَرَفَا بِذَلِكَ، فَضُرِبَا الضَّرْبَ الشَّدِيدَ، لِيُقِرَّا عَلَى مَنْ أَمَرَهُمَا بِذَلِكَ، فَلَمْ يُقِرَّا، فَقُرِّبَا إِلَى الْفِيلِ لِيُجْعَلَا تَحْتَ قَوَائِمِهِ، وَقُدِّمَ أَحَدُهُمَا، فَقَالَ: اتْرُكُونِي وَأَنَا أُعَرِّفُكُمْ، فَتَرَكُوهُ، فَقَالَ لِصَاحِبِهِ: يَا أَخِي لَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الْقِتْلَةِ، فَلَا تَفْضَحْ أَهْلَ سِجِسْتَانَ بِإِفْشَاءِ الْأَسْرَارِ، فَقُتِلَا.
وَفِيهَا تَوَجَّهَ الْإِمَامُ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ إِلَى الشَّامِ، وَزَارَ الْقُدْسَ، وَتَرَكَ التَّدْرِيسَ فِي النِّظَامِيَّةِ، وَاسْتَنَابَ أَخَاهُ، وَتَزَهَّدَ، وَلَبِسَ الْخَشِنَ، وَأَكَلَ الدُّونَ، وَفِي هَذِهِ السَّفْرَةِ صَنَّفَ " إِحْيَاءَ عُلُومِ الدِّينِ "، وَسَمِعَهُ مِنْهُ الْخَلْقُ الْكَثِيرُ بِدِمَشْقَ، وَعَادَ إِلَى بَغْدَاذَ بَعْدَمَا حَجَّ فِي السَّنَةِ التَّالِيَةِ، وَسَارَ إِلَى خُرَاسَانَ.