وَهُوَ مُدَبِّرُ الْأَمْرِ، وَصَاحِبُ الْجَيْشِ، وَآثَرُوا خُرُوجَ إِسْمَاعِيلَ عَنْهُمْ، وَخَافُوهُ، وَخَافَ هُوَ أَيْضًا مِنْهُمْ، فَفَارَقَهُمْ، وَرَاسَلَ أُخْتَهُ زُبَيْدَةَ وَالِدَةَ بَرْكِيَارُقَ فِي اللَّحَاقِ بِهِمْ، فَأَذِنَتْ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَوَصَلَ إِلَيْهِمْ، وَأَقَامَ عِنْدَهُمْ أَيَّامًا يَسِيرَةً، فَخَلَا بِهِ كَمُشْتِكِينُ الْجَانْدَارُ، وَآقْسِنْقَرُ، وَبُوزَانُ، وَبَسَطُوهُ فِي الْقَوْلِ، فَأَطْلَعَهُمْ عَلَى سِرِّهِ، وَأَنَّهُ يُرِيدُ السَّلْطَنَةَ، وَقَتْلَ بَرْكِيَارُقَ، فَوَثَبُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ، وَأَعْلَمُوا أُخْتَهُ خَبَرَهُ فَسَكَتَتْ عَنْهُ.
ذِكْرُ أَخْذِ الْحُجَّاجِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ انْقَطَعَ الْحَجُّ مِنَ الْعِرَاقِ لِأَسْبَابٍ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ، وَسَارَ الْحَاجُّ مِنْ دِمَشْقَ مَعَ أَمِيرٍ أَقَامَهُ تَاجُ الدَّوْلَةِ تُتُشْ صَاحِبُهَا، فَلَمَّا قَضَوْا حَجَّهُمْ وَعَادُوا سَائِرِينَ سَيَّرَ أَمِيرُ مَكَّةَ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ، عَسْكَرًا فَلَحِقُوهُمْ بِالْقُرْبِ مِنْ مَكَّةَ، وَنَهَبُوا كَثِيرًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَجِمَالِهِمْ، فَعَادُوا إِلَيْهِ، وَلَقُوهُ، وَسَأَلُوهُ أَنْ يُعِيدَ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ مِنْهُمْ، وَشَكَوْا إِلَيْهِ بُعْدَ دِيَارِهِمْ، فَأَعَادَ بَعْضَ مَا أَخَذَ مِنْهُمْ، فَلَمَّا أَيِسُوا مِنْهُ سَارُوا مِنْ مَكَّةَ عَائِدَيْنِ عَلَى أَقْبَحِ صُورَةٍ، فَلَمَّا أَبْعَدُوا عَنْهَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ جُمُوعٌ مِنَ الْعَرَبِ فِي عِدَّةِ جِهَاتٍ، فَصَانَعُوهُمْ عَلَى مَالٍ أَخَذُوهُ مِنَ الْحَاجِّ، بَعْدَ أَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ وَافِرَةٌ، وَهَلَكَ فِيهِ كَثِيرُونَ بِالضَّعْفِ وَالِانْقِطَاعِ، وَعَادَ السَّالِمُ عَلَى أَقْبَحِ صُورَةٍ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي جُمَادَى الْأُولَى، قَدِمَ إِلَى بَغْدَاذَ أَرْدِشِيرِينُ بْنُ مَنْصُورٍ أَبُو الْحُسَيْنِ الْوَاعِظُ، الْعَبَّادِيُّ، وَأَكْثَرَ الْوَعْظَ بِالْمَدْرَسَةِ النِّظَامِيَّةِ، وَهُوَ مَرْوَزِيٌّ، وَقَدِمَ بَغْدَاذَ قَاصِدًا لِلْحَجِّ، وَكَانَ لَهُ قَبُولٌ عَظِيمٌ، بِحَيْثُ إِنَّ الْغَزَالِيَّ وَغَيْرَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمَشَايِخِ الصُّوفِيَّةِ الْكِبَارِ يَحْضُرُونَ مَجْلِسَهُ، وَذُرِعَ فِي بَعْضِ الْمَجَالِسِ الْأَرْضُ الَّتِي فِيهَا الرِّجَالُ،