الْمُسْلِمِينَ: إِنَّ ابْنَ عَبَّادٍ رُبَّمَا لَمْ يَنْصَحْ، وَلَا يَبْذُلُ نَفْسَهُ دُونَكَ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُقَدِّمَةِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَسَارَ، وَقَدْ ضَرَبَ الْأَذْفُونْشَ خِيَامَهُ فِي لَحْفِ جَبَلٍ، وَالْمُعْتَمِدُ فِي سَفْحِ جَبَلٍ آخَرَ، يَتَرَاءَوْنَ، وَيَنْزِلُ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ وَرَاءَ الْجَبَلِ الَّذِي عِنْدَهُ الْمُعْتَمِدُ، وَظَنَّ الْأَذْفُونْشُ أَنَّ عَسَاكِرَ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ إِلَّا الَّذِي يَرَاهُ.
وَكَانَ الْفِرِنْجُ فِي خَمْسِينَ أَلْفًا، فَتَيَقَّنُوا الْغَلَبَ، وَأَرْسَلَ الْأَذْفُونْشُ إِلَى الْمُعْتَمِدِ فِي مِيقَاتِ الْقِتَالِ، وَقَصَدَهُ الْمَلِكُ، فَقَالَ: غَدًا الْجُمُعَةُ، وَبَعْدَهُ الْأَحَدُ، فَيَكُونُ اللِّقَاءُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، فَقَدْ وَصَلْنَا عَلَى حَالِ تَعَبٍ، وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا، وَرَكِبَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ سَحَرًا، وَصَبَّحَ بِجَيْشِهِ جَيْشَ الْمُعْتَمِدِ بُكْرَةَ الْجُمُعَةِ، غَدْرًا، وَظَنًّا مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ الْمُخَيَّمَ هُوَ جَمِيعُ عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ، فَوَقَعَ الْقِتَالُ بَيْنَهُمْ، فَصَبَرَ الْمُسْلِمُونَ، فَأَشْرَفُوا عَلَى الْهَزِيمَةِ.
وَكَانَ الْمُعْتَمِدُ قَدْ أَرْسَلَ إِلَى أَمِيرِ الْمُسْلِمِينَ يُعْلِمُهُ بِمَجِيءِ الْفِرِنْجِ لِلْحَرْبِ، فَقَالَ: احْمِلُونِي إِلَى خِيَامِ الْفِرِنْجِ، فَسَارَ إِلَيْهَا، فَبَيْنَمَا هُمْ فِي الْقِتَالِ وَصَلَ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى خِيَامِ الْفِرِنْجِ، فَنَهَبَهَا، وَقَتَلَ مَنْ فِيهَا، فَلَمَّا رَأَى الْفِرِنْجُ ذَلِكَ لَمْ يَتَمَالَكُوا أَنِ انْهَزَمُوا، وَأَخَذَهُمُ السَّيْفُ، وَتَبِعَهُمُ الْمُعْتَمِدُ مِنْ خَلْفِهِمْ، وَلَقِيَهُمْ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ، وَوَضَعَ فِيهِمُ السَّيْفَ، فَلَمْ يَفْلِتْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَنَجَا الْأَذْفُونْشُ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ، وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ رُءُوسِ الْقَتْلَى كُوَمًا كَثِيرَةً، فَكَانُوا يُؤَذِّنُونَ عَلَيْهَا إِلَى أَنْ جِيفَتْ فَأَحْرَقُوهَا:
وَكَانَتِ الْوَقْعَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] ، وَأَصَابَ الْمُعْتَمِدُ جِرَاحَاتٍ فِي وَجْهِهِ، وَظَهَرَتْ ذَلِكَ الْيَوْمَ شَجَاعَتُهُ. وَلَمْ يَرْجِعْ مِنَ الْفِرِنْجِ إِلَى بِلَادِهِمْ غَيْرُ ثَلَاثِمِائَةِ فَارِسٍ، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ كُلَّ مَا لَهُمْ مِنْ مَالٍ وَسِلَاحٍ وَدَوَابٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَعَادَ ابْنُ عَبَّادٍ إِلَى إِشْبِيلِيَّةَ، وَرَجَعَ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْجَزِيرَةِ الْخَضْرَاءِ، وَعَبَرَ إِلَى سَبْتَةَ، وَسَارَ إِلَى مَرَّاكُشَ، فَأَقَامَ بِهَا إِلَى الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَعَادَ إِلَى الْأَنْدَلُسِ، وَحَضَرَ