477 -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ.
ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ فَخْرِ الدَّوْلَةِ بْنِ جَهِيرٍ وَابْنِ مَرْوَانَ وَشَرَفِ الدَّوْلَةِ.
قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ مَسِيرِ فَخْرِ الدَّوْلَةِ بْنِ جَهِيرٍ فِي الْعَسَاكِرِ السُّلْطَانِيَّةِ إِلَى دِيَارِ بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ السَّنَةُ سَيَّرَ السُّلْطَانُ إِلَيْهِ أَيْضًا جَيْشًا فِيهِمُ الْأَمِيرُ أُرْتُقُ بْنُ أَكْسَبَ، وَأَمَرَهُمْ بِمُسَاعَدَتِهِ.
وَكَانَ ابْنُ مَرْوَانَ قَدْ مَضَى إِلَى شَرَفِ الدَّوْلَةِ وَسَأَلَهُ نُصْرَتَهُ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِ آمِدَ، وَحَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَرَى أَنَّ صَاحِبَهُ كَاذِبٌ لِمَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْعَدَاوَةِ الْمُسْتَحْكِمَةِ، وَاجْتَمَعَا عَلَى حَرْبِ فَخْرِ الدَّوْلَةِ، وَسَارَا إِلَى آمِدَ، وَقَدْ نَزَلَ فَخْرُ الدَّوْلَةِ بِنَوَاحِيهَا، فَلَمَّا رَأَى فَخْرُ الدَّوْلَةِ اجْتِمَاعَهُمَا مَالَ إِلَى الصُّلْحِ، وَقَالَ: لَا أُوثِرُ أَنْ يَحِلَّ بِالْعَرَبِ بَلَاءٌ عَلَى يَدِي. فَعَرَفَ التُّرْكُمَانُ مَا عَزَمَ عَلَيْهِ، فَرَكِبُوا لَيْلًا وَأَتَوْا إِلَى الْعَرَبِ وَأَحَاطُوا بِهِمْ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَالْتَحَمَ الْقِتَالُ وَاشْتَدَّ، فَانْهَزَمَتِ الْعَرَبُ، وَلَمْ يَحْضُرْ هَذِهِ الْوَقْعَةَ الْوَزِيرُ فَخْرُ الدَّوْلَةِ، وَلَا أُرْتُقُ، وَغَنِمَ التُّرْكُمَانُ حُلَلَ الْعَرَبُ وَدَوَابَّهُمْ، وَانْهَزَمَ شَرَفُ الدَّوْلَةِ، وَحَمَى نَفْسَهُ حَتَّى وَصَلَ إِلَى فَصِيلِ آمِدَ، وَحَصَرَهُ فَخْرُ الدَّوْلَةِ وَمَنْ مَعَهُ. فَلَمَّا رَأَى شَرَفُ الدَّوْلَةِ أَنَّهُ مَحْصُورٌ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ، فَرَاسَلَ الْأَمِيرَ أُرْتُقَ، وَبَذَلَ لَهُ مَالًا، وَسَأَلَهُ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ، وَيُمَكِّنَهُ مِنَ الْخُرُوجِ مِنْ آمِدَ، وَكَانَ هُوَ عَلَى حِفْظِ الطُّرُقِ وَالْحِصَارِ، فَلَمَّا سَمِعَ أُرْتُقُ مَا بَذَلَ لَهُ شَرَفُ الدَّوْلَةِ أَذِنَ لَهُ فِي الْخُرُوجِ، فَخَرَجَ مِنْهَا فِي الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَقَصَدَ الرَّقَّةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى أُرْتُقَ بِمَا كَانَ