وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ: إِنَّ أَوَّلَ مَنِ اتَّخَذَ الْمَلَاهِيَ مِنْ وَلَدِ قَابِيلَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ ثَوْبَالُ بْنُ قَابِيلَ، اتَّخَذَهَا فِي زَمَانِ مَهْلَائِيلَ بْنِ قَيْنَانَ، اتَّخَذَ الْمَزَامِيرَ، وَالطَّنَابِيرَ، وَالطُّبُولَ، وَالْعِيدَانَ، وَالْمَعَازِفَ، فَانْهَمَكَ وَلَدُ قَابِيلَ فِي اللَّهْوِ. وَتَنَاهَى خَبَرُهُمْ إِلَى مَنْ بِالْجَبَلِ مِنْ وَلَدِ شِيثٍ، فَهَمَّ مِنْهُمْ مِائَةُ رَجُلٍ بِالنُّزُولِ إِلَيْهِمْ وَبِمُخَالَفَةِ مَا أَوْصَاهُمْ بِهِ آبَاؤُهُمْ، وَبَلَغَ ذَلِكَ يَارَدَ فَوَعَظَهُمْ وَنَهَاهُمْ فَلَمْ يَقْبَلُوا، وَنَزَلُوا إِلَى وَلَدِ قَابِيلَ فَأُعْجِبُوا بِمَا رَأَوْا مِنْهُمْ، فَلَمَّا أَرَادُوا الرُّجُوعَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ذَلِكَ لِدَعْوَةٍ سَبَقَتْ مِنْ آبَائِهِمْ فَلَمَّا أَبْطَئُوا ظَنَّ مَنْ بِالْجَبَلِ مِمَّنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ زَيْغٌ أَنَّهُمْ أَقَامُوا اغْتِبَاطًا، فَتَسَلَّلُوا يَنْزِلُونَ مِنَ الْجَبَلِ وَرَأَوُا اللَّهْوَ فَأَعْجَبَهُمْ، وَوَافَقُوا نِسَاءً مِنْ وَلَدِ قَابِيلَ مُتَشَرِّعَاتٍ إِلَيْهِمْ وَصِرْنَ مَعَهُمْ، وَانْهَمَكُوا فِي الطُّغْيَانِ، وَفَشَتِ الْفَحْشَاءُ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ فِيهِمْ.
وَهَذَا الْقَوْلُ غَيْرُ بَعِيدٍ مِنَ الْحَقِّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ سَلَفِ عُلَمَائِنَا الْمُسْلِمِينَ نَحْوٌ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا بَيَّنُوا زَمَانَ مَنْ حَدَثَ ذَلِكَ فِي مُلْكِهِ، إِلَّا أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِيمَا بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ، مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَوْ مِثْلُهُ.
وَمِثْلَهُ رَوَى الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ مَعَ اخْتِلَافٍ قَرِيبٍ مِنَ الْقَوْلَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَا نَسَّابُو الْفُرْسِ فَقَدْ ذَكَرْتُ مَا قَالُوا فِي مَهْلَائِيلَ بْنِ قَيْنَانَ، وَأَنَّهُ هُوَ أُوشْهَنْجُ الَّذِي مَلَكَ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ، وَبَيَّنْتُ قَوْلَ مَنْ خَالَفَهُمْ.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ: إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ بَنَى الْبِنَاءَ، وَاسْتَخْرَجَ الْمَعَادِنَ وَأَمَرَ أَهْلَ زَمَانِهِ بِاتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ، وَبَنَى مَدِينَتَيْنِ كَانَتَا أَوَّلَ مَا بُنِيَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنَ الْمَدَائِنِ، وَهُمَا مَدِينَةُ بَابِلَ، وَهِيَ بِالْعِرَاقِ، وَمَدِينَةُ السُّوسِ بِخُوزِسْتَانَ، وَكَانَ مُلْكُهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً.
وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ أَوَّلُ مَنِ اسْتَنْبَطَ الْحَدِيدَ وَعَمِلَ مِنْهُ الْأَدَوَاتِ لِلصِّنَاعَاتِ، وَقَدَّرَ الْمِيَاهَ فِي مَوَاقِعِ الْمَنَافِعِ، وَحَضَّ النَّاسَ عَلَى الزِّرَاعَةِ، وَاعْتِمَادِ الْأَعْمَالِ، وَأَمَرَ بِقَتْلِ السِّبَاعِ الضَّارِيَةِ، وَاتِّخَاذِ الْمَلَابِسِ مِنْ جُلُودِهَا وَالْمَفَارِشِ، وَبِذَبْحِ الْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالْوَحْشِ، وَأَكْلِ لُحُومِهَا، وَإِنَّهُ بَنَى مَدِينَةَ الرَّيِّ.