وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ أَخَاهُ السُّلْطَانَ مَلِكْشَاهْ أَقْطَعَهُ الشَّامَ، وَمَا يَفْتَحُهُ فِي تِلْكَ النَّوَاحِي، سَنَةَ سَبْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، فَأَتَى حَلَبَ وَحَصَرَهَا، وَلَحِقَ أَهْلَهَا مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ، وَكَانَ مَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ التُّرْكُمَانِ، فَأَنْفَذَ إِلَيْهِ أَقْسِيسْ، صَاحِبَ دِمَشْقَ، يَسْتَنْجِدُهُ، وَيُعَرِّفُهُ أَنَّ عَسَاكِرَ مِصْرَ قَدْ حَصَرَتْهُ بِدِمَشْقَ.
وَكَانَ أَمِيرُ الْجُيُوشِ بَدْرٌ قَدْ سَيَّرَ عَسْكَرًا مِنْ مِصْرَ، وَمُقَدِّمُهُمْ قَائِدٌ يَعْرِفُ بِنَصْرِ الدَّوْلَةِ، فَحَصَرَ دِمَشْقَ، فَأَرْسَلَ أَقْسِيسْ إِلَى تَاجِ الدَّوْلَةِ تُتُشْ يَسْتَنْصِرُهُ، فَسَارَ إِلَى نُصْرَةِ أَقْسِيسْ، فَلَمَّا سَمِعَ الْمِصْرِيُّونَ بِقُرْبِهِ أَجْفَلُوا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ شِبْهَ الْمُنْهَزِمِينَ، وَخَرَجَ أَقْسِيسْ إِلَيْهِ يَلْتَقِيهِ عِنْدَ سُورِ الْبَلَدِ، فَاغْتَاظَ مِنْهُ تُتُشْ حَيْثُ لَمْ يَبْعُدُ فِي تَلَقِّيهِ، وَعَاتَبَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَاعْتَذَرَ بِأُمُورٍ لَمْ يَقْبَلْهَا تُتُشْ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَقَتَلَهُ مِنْ سَاعَتِهِ، وَمَلَكَ الْبَلَدَ، وَأَحْسَنَ السِّيرَةَ فِي أَهْلِهِ، وَعَدَلَ فِيهِمْ.
قَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْهَمَذَانِيِّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ مُلْكَ تُتُشْ دِمَشْقَ كَانَ هَذِهِ السَّنَةَ، وَذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ الدِّمَشْقِيُّ فِي كِتَابِ " تَارِيخِ دِمَشْقَ " أَنَّ مُلْكَهُ إِيَّاهَا كَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] .
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ.
فِي هَذِهِ السَّنَةِ وُلِدَ الْمَلِكُ بِرْكِيَارُق ابْنُ السُّلْطَانِ مَلِكْشَاهْ.