الْبَرِّيَّةِ لَمْ يَقْصِدُوا الْعِرَاقَ، وَنَحْكُمُ عَلَيْهِمْ بِمَا نُرِيدُ، فَقَالَ مُهَارِشٌ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَسَاسِيرِيِّ عُهُودٌ وَمَوَاثِيقُ نَقَضَهَا، وَإِنَّ الْخَلِيفَةَ قَدِ اسْتَحْلَفَنِي بِعُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ لَا مَخْلَصَ مِنْهَا. وَسَارَ مُهَارِشٌ وَمَعَهُ الْخَلِيفَةُ حَادِيَ عَشَرَ ذِي الْقِعْدَةِ (سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ إِلَى الْعِرَاقِ، وَجَعَلَا طَرِيقَهُمَا عَلَى بَلَدِ بَدْرِ بْنِ مُهَلْهِلٍ لِيَأْمَنَا مَنْ يَقْصِدُهُمَا، وَوَصَلَ ابْنُ فُورَكَ إِلَى حُلَّةِ بَدْرِ بْنِ مُهَلْهِلٍ، وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُوَصِّلَهُ إِلَى مُهَارِشٍ، فَجَاءَ إِنْسَانٌ سَوَادِيٌّ إِلَى بَدْرٍ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى الْخَلِيفَةَ وَمُهَارِشًا بِتَلِّ عُكْبُرَا، فَسُرَّ بِذَلِكَ بَدْرٌ، وَرَحَلَ ابْنُ فُورَكَ، وَخَدَمَاهُ، وَحَمَلَ لَهُ بَدْرٌ شَيْئًا كَثِيرًا، وَأَوْصَلَ إِلَيْهِ ابْنُ فُورَكَ رِسَالَةَ طُغْرُلْبِكْ، وَهَدَايَا كَثِيرَةً أَرْسَلَهَا مَعَهُ. وَلَمَّا سَمِعَ طُغْرُلْبِكْ بِوُصُولِ الْخَلِيفَةِ إِلَى بَلَدِ بِدْرٍ أَرْسَلَ وَزِيرَهُ الْكُنْدُرِيَّ، وَالْأُمَرَاءَ، وَالْحُجَّابَ، وَأَصْحَبَهُمُ الْخِيَامَ الْعَظِيمَةَ، وَالسُّرَادِقَاتِ، وَالتُّحَفَ (مِنَ الْخَيْلِ بِالْمَرَاكِبِ الذَّهَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَوَصَلُوا إِلَى الْخَلِيفَةِ وَخَدَمُوهُ وَرَحَلُوا، وَوَصَلَ الْخَلِيفَةُ إِلَى النَّهْرَوَانِ فِي الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَخَرَجَ السُّلْطَانُ إِلَى خِدْمَتِهِ، فَاجْتَمَعَ بِهِ، وَقَبَّلَ الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهَنَّأَهُ بِالسَّلَامَةِ، وَأَظْهَرَ الْفَرَحَ بِسَلَامَتِهِ، وَاعْتَذَرَ مِنْ تَأَخُّرِهِ بِعِصْيَانِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَنَّهُ قَتَلَهُ عُقُوبَةً لِمَا جَرَى مِنْهُ مِنَ الْوَهَنِ عَلَى الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ، وَبِوَفَاةِ أَخِيهِ دَاوُدَ بِخُرَاسَانَ، وَأَنَّهُ اضْطُرَّ إِلَى التَّرَيُّثِ حَتَّى يُرَتِّبَ أَوْلَادَهُ بَعْدَهُ فِي الْمَمْلَكَةِ، وَقَالَ: أَنَا أَمْضِي خَلْفَ هَذَا الْكَلْبِ، يَعْنِي الْبَسَاسِيرِيَّ، وَأَقْصِدُ الشَّامَ، وَأَفْعَلُ فِي حَقِّ صَاحِبِ مِصْرَ مَا أُجَازِي بِهِ فِعْلَهُ! وَقَلَّدَهُ الْخَلِيفَةُ بِيَدِهِ سَيْفًا، وَقَالَ: لَمْ يَبْقَ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي دَارِهِ سِوَاهُ، وَقَدْ تَبَرَّكَ بِهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَكَشَفَ غِشَاءَ الْخِرْكَاةِ حَتَّى رَآهُ الْأُمَرَاءُ، فَخَدَمُوا وَانْصَرَفُوا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015