الشَّرْقِيِّ، وَعَلَى رَأْسِهِ الْأَلْوِيَةُ الْمِصْرِيَّةُ، فَأَحْسَنَ إِلَى النَّاسِ، وَأَجْرَى الْجِرَايَاتِ عَلَى الْمُتَفَقِّهَةِ، وَلَمْ يَتَعَصَّبْ لِمَذْهَبٍ، وَأَفْرَدَ لِوَالِدَةِ الْخَلِيفَةِ الْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ دَارًا، وَكَانَتْ قَدْ قَارَبَتْ تِسْعِينَ سَنَةً، وَأَعْطَاهَا جَارِيَتَيْنِ مِنْ جَوَارِيهَا لِلْخِدْمَةِ، وَأَجْرَى لَهَا الْجِرَايَةَ، وَأَخْرَجَ مَحْمُودَ بْنَ الْأَخْرَمِ إِلَى الْكُوفَةِ، وَسُقِّيَ الْفُرَاتُ أَمِيرًا.
وَأَمَّا رَئِيسُ الرُّؤَسَاءِ فَأَخْرَجَهُ الْبَسَاسِيرِيُّ آخِرَ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ مَحْبِسِهِ بِالْحَرِيمِ الطَّاهِرِيِّ، مُقَيَّدًا وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ صُوفٌ، وَطُرْطُورٌ مِنْ لِبْدٍ أَحْمَرَ، وَفِي رَقَبَتِهِ مِخْنَقَةُ جُلُودِ بَعِيرٍ، وَهُوَ يَقْرَأُ: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} [آل عمران: 26] الْآيَةَ.
وَبَصَقَ أَهْلُ الْكَرْخِ فِي وَجْهِهِ عِنْدَ اجْتِيَازِهِ بِهِمْ، لِأَنَّهُ كَانَ يَتَعَصَّبُ عَلَيْهِمْ، وَشُهِّرَ إِلَى حَدِّ النَّجْمِيِّ، وَأُعِيدَ إِلَى مُعَسْكَرِ الْبَسَاسِيرِيِّ، وَقَدْ نُصِبَتْ لَهُ خَشَبَةٌ، وَأُنْزِلَ عَنِ الْجَمَلِ، وَأُلْبِسَ جِلْدَ ثَوْرٍ، وَجُعِلَتْ قُرُونُهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَجُعِلَ فِي فَكَّيْهِ كُلَّابَانِ مِنْ حَدِيدٍ، وَصُلِبَ، فَبَقِيَ يَضْطَرِبُ إِلَى آخَرِ النَّهَارِ، وَمَاتَ.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سَبْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَكَانَتْ شَهَادَتُهُ عِنْدَ ابْنِ مَاكُولَا سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَكَانَ حَسَنَ التِّلَاوَةِ لِلْقُرْآنِ، جَيِّدَ الْمَعْرِفَةِ بِالنَّحْوِ.
وَأَمَّا عَمِيدُ الْعِرَاقِ فَقَتَلَهُ الْبَسَاسِيرِيُّ، وَكَانَ فِيهِ شَجَاعَةٌ وَلَهُ فُتُوَّةٌ، وَهُوَ الَّذِي بَنَى رِبَاطَ شَيْخِ الشُّيُوخِ.
وَلَمَّا خَطَبَ الْبَسَاسِيرِيُّ لِلْمُسْتَنْصِرِ الْعَلَوِيِّ بِالْعِرَاقِ أَرْسَلَ إِلَيْهِ بِمِصْرَ يُعَرِّفُهُ مَا فَعَلَ، وَكَانَ الْوَزِيرُ هُنَاكَ أَبَا الْفَرَجِ ابْنَ أَخِي أَبِي الْقَاسِمِ الْمَغْرِبِيِّ، وَهُوَ مِمَّنْ هَرَبَ مِنَ الْبَسَاسِيرِيِّ وَفِي نَفْسِهِ مَا فِيهَا، فَوَقَعَ فِيهِ، وَبَرَّدَ فِعْلَهُ، وَخَوَّفَ عَاقِبَتَهُ، فَتُرِكَتْ أَجْوِبَتُهُ مُدَّةً، ثُمَّ عَادَتْ بِغَيْرِ الَّذِي أَمَّلَهُ وَرَجَاهُ.