يَمْلِكُوا يَتَلَثَّمُونَ فِي الصَّحْرَاءِ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ كَمَا يَفْعَلُ الْعَرَبُ، وَالْغَالِبُ عَلَى أَلْوَانِهِمُ السُّمْرَةُ، فَلَمَّا مَلَكُوا الْبِلَادَ ضَيَّقُوا اللِّثَامَ.

وَقِيلَ: كَانَ سَبَبُ اللِّثَامِ لَهُمْ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ لَمْتُونَةَ خَرَجُوا مُغِيرِينَ عَلَى عَدُوٍّ لَهُمْ، فَخَالَفَهُمُ الْعَدُوُّ إِلَى بُيُوتِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ بِهَا إِلَّا الْمَشَايِخُ وَالصِّبْيَانُ وَالنِّسَاءُ، فَلَمَّا تَحَقَّقَ الْمَشَايِخُ أَنَّهُ الْعَدُوُّ أَمَرُوا النِّسَاءَ أَنْ يَلْبِسْنَ ثِيَابَ الرِّجَالِ، وَيَتَلَثَّمْنَ، وَيُضَيِّقْنَهُ، حَتَّى لَا يُعْرَفْنَ، وَيَلْبَسْنَ السِّلَاحَ. فَفَعَلْنَ ذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ الْمَشَايِخُ وَالصِّبْيَانُ أَمَامَهُنَّ، وَاسْتَدَارَ النِّسَاءُ بِالْبُيُوتِ، فَلَمَّا أَشْرَفَ الْعَدُوُّ رَأَى جَمْعًا عَظِيمًا، فَظَنَّهُ رِجَالًا، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ عِنْدَ حُرَمِهِمْ يُقَاتِلُونَ عَنْهُنَّ قِتَالَ الْمَوْتِ، وَالرَّأْيُ أَنْ نَسُوقَ النَّعَمَ وَنَمْضِيَ، فَإِنِ اتَّبَعُونَا قَاتَلْنَاهُمْ خَارِجًا عَنْ حَرِيمِهِمْ.

فَبَيْنَمَا هُمْ فِي جَمْعِ النَّعَمِ مِنَ الْمَرَاعِي إِذْ قَدْ أَقْبَلَ رِجَالُ الْحَيِّ، فَبَقِيَ الْعَدُوُّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النِّسَاءِ، فَقَتَلُوا مِنَ الْعَدُوِّ فَأَكْثَرُوا، وَكَانَ مَنْ قَتَلَ النِّسَاءُ أَكْثَرَ، فَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ جَعَلُوا اللِّثَامَ سُنَّةً يُلَازِمُونَهُ، فَلَا يُعْرَفُ الشَّيْخُ مِنَ الشَّابِّ، فَلَا يُزِيلُونَهُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا، وَمِمَّا قِيلَ فِي اللِّثَامِ:

قَوْمٌ لَهُمْ دَرَكُ الْعُلَى فِي حِمْيَرٍ ... وَإِنِ انْتَمَوْا صِنْهَاجَةً فَهُمُ هُمُ

لَمَّا حَوَوْا إِحْرَازَ كُلِّ فَضِيلَةٍ ... غَلَبَ الْحَيَاءُ عَلَيْهِمُ فَتَلَثَّمُوا

وَنَذْكُرُ بَاقِيَ أَخْبَارِ أَمِيرِ الْمُسْلِمِينَ فِي مَوَاضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ذِكْرُ تَبْيِيضِ أَبِي الْغَنَائِمِ بْنِ الْمُحْلِبَانِ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ بَيَّضَ عَلَاءُ الدِّينِ أَبُو الْغَنَائِمِ بْنُ الْمُحْلِبَانِ بِوَاسِطٍ، وَخَطَبَ فِيهَا لِلْعَلَوِيِّينَ الْمِصْرِيِّينَ.

وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ رَئِيسَ الرُّؤَسَاءِ سَعَى لَهُ فِي النَّظَرِ عَلَى وَاسِطٍ وَأَعْمَالِهَا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015