رَأَتِ الْعَرَبُ عَسَاكِرَ صِنْهَاجَةَ وَالْعَبِيدَ مَعَ الْمُعِزِّ هَالَهُمْ ذَلِكَ، وَعَظُمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ مُؤْنِسُ بْنُ يَحْيَى: مَا هَذَا يَوْمُ فِرَارٍ. فَقَالُوا: أَيْنَ نَطْعَنُ هَؤُلَاءِ وَقَدْ لَبِسُوا الْكُزَادَاتِ وَالْمَغَافِرَ؟ قَال َ: فِي أَعْيُنِهِمْ. فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الْعَيْنِ. وَالْتَحَمَ الْقِتَالُ وَاشْتَدَّتِ الْحَرْبُ، فَاتَّفَقَتْ صِنْهَاجَةُ عَلَى الْهَزِيمَةِ وَتَرْكِ الْمُعِزِّ مَعَ الْعَبِيدِ حَتَّى يَرَى فِعْلَهُمْ، وَيُقْتَلَ أَكْثَرُهُمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَرْجِعُونَ عَلَى الْعَرَبِ، فَانْهَزَمَتْ صِنْهَاجَةُ وَثَبَتَ الْعَبِيدُ مَعَ الْمُعِزِّ، فَكَثُرَ الْقَتْلُ فِيهِمْ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَأَرَادَتْ صِنْهَاجَةُ الرُّجُوعَ عَلَى الْعَرَبِ فَلَمْ يُمْكِنْهُمْ ذَلِكَ، وَاسْتَمَرَّتِ الْهَزِيمَةُ، وَقُتِلَ مِنْ صِنْهَاجَةَ أُمَّةٌ عَظِيمَةٌ، وَدَخَلَ الْمُعِزُّ الْقَيْرَوَانَ مَهْزُومًا، عَلَى كَثْرَةِ مَنْ مَعَهُ، وَأَخَذَتِ الْعَرَبُ الْخَيْلَ وَالْخِيَامَ وَمَا فِيهَا مِنْ مَالٍ وَغَيْرِهِ، وَفِيهِ يَقُولُ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
وَإِنَّ ابْنَ بَادِيسٍ لَأَفْضَلُ مَالِكٍ ... وَلَكِنْ لَعَمْرِي مَا لَدَيْهِ رِجَالُ
ثَلَاثُونَ أَلْفًا مِنْهُمُ غَلَبَتْهُمُ ... ثَلَاثَةُ أَلْفٍ إِنَّ ذَا لَمُحَالُ
وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ جَمَعَ الْمُعِزُّ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ فَارِسٍ، وَسَارَ إِلَى الْعَرَبِ جَرِيدَةً، وَسَبَقَ خَبَرَهُ، وَهَجَمَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ، فَرَكِبَتِ الْعَرَبُ خُيُولَهُمْ وَحَمَلَتْ، فَانْهَزَمَتْ صِنْهَاجَةُ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ عَالَمٌ كَثِيرٌ.
ثُمَّ جَمَعَ الْمُعِزُّ وَخَرَجَ بِنَفْسِهِ فِي صِنْهَاجَةَ وَزِنَاتَةَ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى بُيُوتِ الْعَرَبِ، وَهُوَ قِبْلِيُّ جَبَلِ جَنْدِرَانَ - (انْتَشَبَ الْقِتَالُ) ، وَاشْتَعَلَتْ نِيرَانُ الْحَرْبِ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ سَبْعَةَ آلَافِ فَارِسٍ، فَانْهَزَمَتْ (صِنْهَاجَةُ، وَوَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَانْهَزَمَتْ) زِنَاتَةُ، وَثَبَتَ الْمُعِزُّ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ عَبِيدِهِ ثَبَاتًا عَظِيمًا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، ثُمَّ