وَأَقَامَ ابْنُ رَاشِدٍ مُدَّةً يَجْمَعُ وَيَحْتَشِدُ، ثُمَّ سَارَ ثَانِيًا، وَقَاتَلَهُ الدَّيْلَمُ، فَأَعَانَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ لِسُوءِ سِيرَةِ الدَّيْلَمِ فِيهِمْ، فَانْهَزَمَ الدَّيْلَمُ، وَمَلَكَ ابْنُ رَاشِدٍ الْبَلَدَ، وَقَتَلَ الْخَادِمَ وَكَثِيرًا مِنَ الدَّيْلَمِ، وَقَبَضَ عَلَى الْأَمِيرِ أَبِي الْمُظَفَّرِ وَسَيَّرَهُ إِلَى جِبَالِهِ مُسْتَظْهِرًا عَلَيْهِ، وَسَجَنَ مَعَهُ كُلَّ مَنْ خَطَّ بِقَلَمٍ مِنَ الدَّيْلَمِ، وَأَصْحَابَ الْأَعْمَالِ، وَأَخْرَبَ دَارَ الْإِمَارَةِ وَقَال َ: هَذِهِ أَحَقُّ دَارٍ بِالْخَرَابِ! وَأَظْهَرَ الْعَدْلَ، وَأَسْقَطَ الْمُكُوسَ، وَاقْتَصَرَ عَلَى رَفْعِ عُشْرِ مَا يَرِدُ إِلَيْهِمْ، وَخَطَبَ لِنَفْسِهِ، وَتَلَقَّبَ بِالرَّاشِدِ بِاللَّهِ، وَلَبِسَ الصُّوفَ، وَبَنَى مَوْضِعًا عَلَى شَكْلِ مْجِدٍ، وَقَدْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ تَحَرَّكَ أَيْضًا أَيَّامَ أَبِي الْقَاسِمِ (بْنِ مُكْرَمٍ) ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ أَبُو الْقَاسِمِ مَنْ مَنَعَهُ وَحَصَرَهُ وَأَزَالَ طَمَعَه ُ.

ذِكْرُ دُخُولِ الْعَرَبِ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ دَخَلَتِ الْعَرَبُ إِلَى إِفْرِيقِيَّة َ.

وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُعِزَّ بْنَ بَادِيسَ كَانَ خَطَبَ لِلْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ الْخَلِيفَةِ الْعَبَّاسِيِّ، وَقَطَعَ خُطْبَةَ الْمُسْتَنْصِرِ الْعَلَوِيِّ صَاحِبِ مِصْرَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ كَتَبَ إِلَيْهِ الْمُسْتَنْصِرُ الْعَلَوِيُّ يَتَهَدَّدُهُ، فَأَغْلَظَ الْمُعِزُّ فِي الْجَوَاب ِ.

ثُمَّ إِنَّ الْمُسْتَنْصِرَ اسْتَوْزَرَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ الْيَازُورِيَّ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْوِزَارَةِ، إِنَّمَا كَانَ مِنْ أَهْلِ التِّنَايَةِ وَالْفِلَاحَةِ، فَلَمْ يُخَاطِبْهُ الْمُعِزُّ كَمَا كَانَ يُخَاطِبُ مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْوُزَرَاءِ، كَانَ يُخَاطِبُهُمْ بِعَبْدِهِ، فَخَاطَبَ الْيَازُورِيَّ بِصَنِيعَتِهِ، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَعَاتَبَهُ، فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى مَا يُحِبُّ، فَأَكْثَرَ الْوَقِيعَةَ فِي الْمُعِزِّ، وَأَغْرَى بِهِ الْمُسْتَنْصِرَ، وَشَرَعُوا فِي إِرْسَالِ الْعَرَبِ إِلَى الْغَرْبِ، فَأَصْلَحُوا بَنِي زُغْبَةَ وَرِيَاحٍ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ حُرُوبٌ وَحُقُودٌ، وَأَعْطَوْهُمْ مَالًا، وَأَمَرُوهُمْ بِقَصْدِ بِلَادِ الْقَيْرَوَانِ، وَمَلَّكُوهُمْ كُلَّ مَا يَفْتَحُونَهُ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015