وَكَانَ مَوْدُودٌ لَمَّا مَلَكَ قَبَضَ عَلَى عَمِّهِ عَبْدِ الرَّشِيدِ بْنِ مَحْمُودٍ وَسَجَنَهُ فِي قَلْعَةِ مَيْدَيْنَ بِطَرِيقِ بُسْتَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ كَانَ وَزِيرُهُ قَدْ قَارَبَ هَذِهِ الْقَلْعَةَ، فَنَزَلَ عَبْدُ الرَّشِيدِ إِلَى الْعَسْكَرِ وَدَعَاهُمْ إِلَى طَاعَتِهِ، فَأَجَابُوهُ وَعَادُوا مَعَهُ إِلَى غَزْنَةَ، فَلَمَّا قَارَبَهَا هَرَبَ عَنْهَا عَلِيُّ بْنُ مَسْعُودٍ، وَمَلَكَ عَبْدُ الرَّشِيدِ، وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ لَهُ، وَلُقِّبَ شَمْسَ دِينِ اللَّهِ سَيْفَ الدَّوْلَةِ، وَقِيلَ جَمَالَ الدَّوْلَةِ، وَدَفَعَ اللَّهُ شَرَّ مَوْدُودٍ عَنْ دَاوُدَ، وَهَذِهِ السَّعَادَةُ الَّتِي تَقْتُلُ الْأَعْدَاءَ بِغَيْرِ سِلَاحٍ وَلَا أَجْنَادٍ.
ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ الْبَسَاسِيرِيِّ عَلَى الْأَنْبَارِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَيْضًا فِي ذِي الْقَعْدَةِ مَلَكَ الْبَسَاسِيرِيُّ الْأَنْبَارَ، وَدَخَلَهَا أَصْحَابُه ُ.
وَكَانَ سَبَبُ مُلْكِهَا أَنَّ قِرْوَاشًا أَسَاءَ السِّيرَةَ فِي أَهْلِهَا، وَمَدَّ يَدَهُ إِلَى أَمْوَالِهِمْ، فَسَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِهَا إِلَى الْبَسَاسِيرِيِّ بِبَغْدَاذَ، وَسَأَلُوهُ أَنْ يُنْفِذَ مَعَهُمْ عَسْكَرًا يُسَلِّمُونَ إِلَيْهِ الْأَنْبَارَ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَسَيَّرَ مَعَهُمْ جَيْشًا، فَتَسَلَّمُوا الْأَنْبَارَ، وَلَحِقَهُمُ الْبَسَاسِيرِيُّ وَأَحْسَنَ إِلَى أَهْلِهَا وَعَدَلَ فِيهِمْ، وَلَمْ يُمَكِّنْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَنْ يَأْخُذَ رِطْلَ الْخُبْزِ بِغَيْرِ ثَمَنِهِ، وَأَقَامَ فِيهَا إِلَى أَنْ أَصْلَحَ حَالَهَا وَقَرَّرَ قَوَاعِدَهَا، وَعَادَ إِلَى بَغْدَاذَ.
ذِكْرُ انْهِزَامِ الْمَلِكِ الرَّحِيمِ مِنْ عَسْكَرِ فَارِسَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَادَ الْمَلِكُ الرَّحِيمُ مِنَ الْأَهْوَازِ إِلَى رَامَهُرْمُزَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى وَادِي الْمِلْحِ لَقِيَهُ عَسْكَرُ فَارِسَ، وَاقْتَتَلُوا (قِتَالًا شَدِيدًا، فَغَدَرَ بِالْمَلِكِ الرَّحِيمِ بَعْضُ عَسْكَرِهِ) وَانْهَزَمَ هُوَ وَجَمِيعُ الْعَسْكَرِ، وَوَصَلَ إِلَى بَصَنَّى وَمَعَهُ أَخَوَاهُ أَبُو سَعْدٍ وَأَبُو طَالِبٍ، وَسَارَ مِنْهَا إِلَى وَاسِطٍ، وَسَارَ عَسْكَرُ فَارِسَ إِلَى الْأَهْوَازِ فَمَلَكُوهَا وَخَيَّمُوا بِظَاهِرِهَا.