وَأَحَالَهُ إِلَى الْمُغَالَظَةِ وَالْمُدَافَعَةِ، فَشَرَعَ حِينَئِذٍ أَبُو كَالِيجَارَ فِي إِعْمَالِ الْحِيلَةِ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ قَلْعَةَ بَرَدْسِيرَ مِنْ يَدِهِ، وَهِيَ مَعْقِلُهُ الَّذِي يَحْتَمِي بِهِ وَيُعَوِّلُ عَلَيْهِ، فَرَاسَلَ بَعْضَ مَنْ بِهَا مِنَ الْأَجْنَادِ وَأَفْسَدَهُمْ، فَعَلِمَ بِهِمْ بَهْرَامُ فَقَتَلَهُمْ، وَزَادَ نُفُورُهُ وَاسْتِشْعَارُهُ، وَأَظْهَرَ ذَلِكَ، فَسَارَ إِلَيْهِ الْمَلِكُ أَبُو كَالِيجَارَ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ، فَبَلَغَ قَصْرَ مُجَاشِعٍ فَوَجَدَ فِي حَلْقِهِ خُشُونَةً، فَلَمْ يُبَالِ بِهَا، وَشَرِبَ وَتَصَيَّدَ وَأَكَلَ مِنْ كَبِدِ غَزَالٍ مَشْوِيٍّ، وَاشْتَدَّتْ عِلَّتُهُ وَلَحِقَهُ حُمَّى، وَضَعُفَ عَنِ الرُّكُوبِ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْمُقَامُ لِعَدَمِ الْمِيرَةِ بِذَلِكَ الْمَنْزِلِ، فَحُمِلَ فِي مِحَفَّةٍ عَلَى أَعْنَاقِ الرِّجَالِ إِلَى مَدِينَةِ جَنَابٍ، فَتُوُفِّيَ بِهَا، وَكَانَ عُمُرُهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَشُهُورًا، وَكَانَ مُلْكُهُ بِالْعِرَاقِ بَعْدَ وَفَاةِ جَلَالِ الدَّوْلَةِ أَرْبَعَ سِنِينَ وَشَهْرَيْنِ وَنَيِّفًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا.

وَلَمَّا تُوُفِّيَ نَهَبَ الْأَتْرَاكُ مِنَ الْعَسْكَرِ الْخَزَائِنَ وَالسِّلَاحَ وَالدَّوَابَّ، وَانْتَقَلَ وَلَدُهُ أَبُو مَنْصُورٍ فَلَاسْتُونُ إِلَى مُخَيَّمِ الْوَزِيرِ أَبِي مَنْصُورٍ، وَكَانَتْ مُنْفَرِدَةً عَنِ الْعَسْكَرِ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ، وَأَرَادَ الْأَتْرَاكُ نَهْبَ الْوَزِيرِ وَالْأَمِيرِ، فَمَنَعَهُمُ الدَّيْلَمُ، وَعَادُوا إِلَى شِيرَازَ، فَمَلَكَهَا الْأَمِيرُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَاسْتَشْعَرَ الْوَزِيرُ، فَصَعِدَ إِلَى قَلْعَةِ خُرْمَةَ فَامْتَنَعَ بِهَا.

فَلَمَّا وَصَلَ خَبَرُ وَفَاتِهِ إِلَى بَغْدَاذَ وَبِهَا وَلَدُهُ الْمَلِكُ الرَّحِيمُ أَبُو نَصْرٍ خُرَّةُ فَيْرُوزُ أَحْضَرَ الْجُنْدَ وَاسْتَحْلَفَهُمْ، وَرَاسَلَ الْخَلِيفَةَ الْقَائِمَ بِأَمْرِ اللَّهِ فِي مَعْنَى الْخُطْبَةِ لَهُ وَتَلْقِيبِهِ بِالْمَلِكِ الرَّحِيمِ، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنْ أُجِيبَ إِلَى مُلْتَمَسِهِ سِوَى الْمَلِكِ الرَّحِيمِ، فَإِنَّ الْخَلِيفَةَ امْتَنَعَ مِنْ إِجَابَتِهِ وَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُلَقَّبَ بِأَخَصِّ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015