فَآبُوا بِالنِّهَابِ وَبِالسَّبَايَا ... وَأُبْنَا بِالْمُلُوكِ مُصَفَّدِينَا
وَفِيهِمْ يَقُولُ امْرُؤُ الْقَيْسَ:
مُلُوكٌ مِنْ بَنِي حُجْرِ بْنِ ... عَمْرٍو يُسَاقُونَ الْعَشِيَّةَ يُقْتَلُونَا
فَلَوْ فِي يَوْمِ مَعْرَكَةٍ أُصِيبُوا ... وَلَكِنْ فِي دِيَارِ بَنِي مَرِينَا
وَلَمْ تُغْسَلْ جَمَاجِمُهُمْ بِغُسْلٍ ... وَلَكِنْ فِي الدِّمَاءِ مُرَمَّلِينَا
تَظَلُّ الطَّيْرُ عَاكِفَةً عَلَيْهِمْ ... وَتَنْتَزِعُ الْحَوَاجِبَ وَالْعَيُونَا
وَأَقَامَ الْحَارِثُ بِدِيَارِ كَلْبٍ، فَتَزْعُمُ كَلْبٌ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ، وَعُلَمَاءُ كِنْدَةَ تَزْعُمُ أَنَّهُ خَرَجَ يَتَصَيَّدُ، فَتَبِعَ تَيْسًا مِنَ الظِّبَاءِ فَأَعْجَزَهُ، فَأَقْسَمَ أَنْ لَا يَأْكُلَ شَيْئًا إِلَّا مِنْ كَبِدِهِ، فَطَلَبَتْهُ الْخَيْلُ، فَأُتِيَ بِهِ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ، وَقَدْ كَادَ يَهْلِكُ جُوعًا، فَشُوِيَ لَهُ بَطْنُهُ فَأَكَلَ فِلْذَةً مِنْ كَبِدِهِ حَارَةً فَمَاتَ.
وَلَمَّا كَانَ الْحَارِثُ بِالْحِيرَةِ أَتَاهُ أَشْرَافُ عِدَّةِ قَبَائِلَ مِنْ نِزَارٍ فَقَالُوا: إِنَّا فِي طَاعَتِكَ وَقَدْ وَقَعَ بَيْنَنَا مِنَ الشَّرِّ بِالْقَتْلِ مَا تَعْلَمُ وَنَخَافُ الْفَنَاءَ فَوَجِّهْ مَعَنَا بَنِيكَ يَنْزِلُونَ فِينَا فَيَكُفُّونَ بَعْضَنَا عَنْ بَعْضٍ. فَفَرَّقَ أَوْلَادَهُ فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ، فَمَلَّكَ ابْنَهُ حُجْرًا عَلَى بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ وَغَطَفَانَ، وَمَلَّكَ ابْنَهُ شُرَحْبِيلَ، وَهُوَ الَّذِي قُتِلَ يَوْمَ الْكُلَابِ، عَلَى بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ بِأَسْرِهَا وَعَلَى غَيْرِهَا، وَمَلَّكَ ابْنَهُ مَعْدِي كَرِبَ، وَهُوَ غَلْفَاءُ، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ غَلْفَاءُ لِأَنَّهُ كَانَ يُغَلِّفُ رَأْسَهُ بِالطِّيبِ، عَلَى قَيْسِ عَيْلَانَ وَطَوَائِفَ غَيْرِهِمْ، وَمَلَّكَ ابْنَهُ سَلَمَةَ عَلَى تَغْلِبَ وَالنَّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ وَبَنِي سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ مِنْ تَمِيمٍ.
فَبَقِيَ حُجْرٌ فِي بَنِي أَسَدٍ وَلَهُ عَلَيْهِمْ جَائِزَةٌ وَإِتَاوَةٌ كُلَّ سَنَةٍ لِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَبَقِيَ كَذَلِكَ دَهْرًا، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِمْ مَنْ يَجْبِي ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَكَانُوا بِتِهَامَةَ، وَطَرَدُوا رُسُلَهُ