ذِكْرُ إِظْهَارِ أَحْمَدَ يَنَالْتِكِينَ الْعِصْيَانَ وَقَتْلِهِ
فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] عَادَ مَسْعُودُ بْنُ مَحْمُودٍ مِنَ الْهِنْدِ لِقِتَالِ الْغُزِّ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، فَعَادَ أَحْمَدُ يَنَالْتِكِينَ إِلَى إِظْهَارِ الْعِصْيَانِ بِبِلَادِ الْهِنْدِ، وَجَمَعَ الْجُمُوعَ، وَقَصَدَ الْبِلَادَ بِالْأَذَى، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ مَسْعُودٌ جَيْشًا كَثِيفًا، وَكَانَتْ مُلُوكُ الْهِنْدِ تَمْنَعُهُ مِنَ الدُّخُولِ إِلَى بِلَادِهِمْ، وَسَدَّ مَنَافِذَ هَرَبِهِ.
وَلَمَّا وَصَلَ الْجَيْشُ الْمُنْفَذُ إِلَيْهِ قَاتَلَهُمْ، فَانْهَزَمَ وَمَضَى هَارِبًا إِلَى الْمُلْتَانِ، وَقَصَدَ بَعْضَ مُلُوكِ الْهِنْدِ بِمَدِينَةِ بَهَاطِيةَ وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ عَسَاكِرِهِ الَّذِينَ سَلِمُوا، فَلَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ الْمَلِكِ قُدْرَةٌ عَلَى مَنْعِهِ، وَطَلَبَ مِنْهُ سُفُنًا لِيَعْبُرَ نَهْرَ السِّنْدِ، فَأَحْضَرَ لَهُ السُّفُنَ.
وَكَانَ فِي وَسَطِ النَّهْرِ جَزِيرَةٌ ظَنَّهَا أَحْمَدُ وَمَنْ مَعَهُ مُتَّصِلَةً بِالْبَرِّ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الْمَاءَ مُحِيطٌ بِهَا، فَتَقَدَّمَ مَلِكُ الْهِنْدِ إِلَى أَصْحَابِ السُّفُنِ بِإِنْزَالِهِمْ فِي الْجَزِيرَةِ وَالْعَوْدِ عَنْهُمْ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، وَبَقِيَ أَحْمَدُ وَمَنْ مَعَهُ فِيهَا وَلَيْسَ مَعَهُمْ طَعَامٌ (إِلَّا مَا مَعَهُمْ) ، فَبَقُوا بِهَا تِسْعَةَ أَيَّامٍ، فَفَنِيَ زَادُهُمْ، وَأَكَلُوا دَوَابَّهُمْ، وَضَعُفَتْ قُوَاهُمْ، فَأَرَادُوا خَوْضَ الْمَاءِ فَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْهُ لِعُمْقِهِ وَشِدَّةِ الْوَحْلِ فِيهِ، فَعَبَّرَ الْهِنْدُ إِلَيْهِمْ عَسْكَرَهُمْ فِي السُّفُنِ، وَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَأَوْقَعُوا بِهِمْ وَقَتَلُوا أَكْثَرَهُمْ، وَأَخَذُوا وَلَدًا لِأَحْمَدَ أَسِيرًا، فَلَمَّا رَآهُ أَحْمَدُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ قَتَلَ نَفْسَهُ، وَاسْتَوْعَبَ أَصْحَابَهُ الْقَتْلُ وَالْأَسْرُ وَالْغَرَقُ.
ذِكْرُ مُلْكِ مَسْعُودٍ جُرْجَانَ وَطَبَرِسْتَانَ
كَانَ الْمَلِكُ مَسْعُودٌ قَدْ أَقَرَّ دَارَا بْنَ مُنُوجَهْرَ بْنِ قَابُوسَ عَلَى جُرْجَانَ وَطَبَرِسْتَانَ وَتَزَوَّجَ أَيْضًا بِابْنَةِ أَبِي كَالِيجَارَ الْقُوهِيِّ، مُقَدَّمِ جَيْشِ دَارَا، وَالْقَيِّمِ بِتَدْبِيرِ أَمْرِهِ اسْتِمَالَةً. فَلَمَّا سَارَ إِلَى الْهِنْدِ مَنَعُوا مَا كَانَ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَالِ، وَرَاسَلُوا عَلَاءَ الدَّوْلَةِ بْنَ كَاكَوَيْهِ وَفَرْهَاذَ بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى الْعِصْيَانِ وَالْمُخَالَفَةِ، وَقَوَّى عَزْمَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا بَلَغَهُمْ (مِنْ خُرُوجِ الْغُزِّ بِخُرَاسَانَ) .