الْحَجْرَ لِيَشْتَرِيَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ ذَلِكَ الْمِلْكَ، فَلَمْ أَفْعَلْ فَأَرْسَلَ يَسْتَدْعِينِي، فَقُلْتُ لِغُلَامِهِ: تَقَدَّمْنِي حَتَّى أَلْحَقَكَ، وَخِفْتُهُ. فَقَصَدْتُ قَبْرَ مَعْرُوفٍ فَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَكْفِيَنِيَ شَرَّهُ، وَهُنَاكَ شَيْخٌ، فَقَالَ لِي: عَلَى مَنْ تَدْعُو؟ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، وَوَصَلْتُ إِلَى ابْنِ حَاجِبٍ النُّعْمَانِ، فَأَغْلَظَ لِي فِي الْقَوْلِ، وَلَمْ يَقْبَلْ عُذْرِي، فَأَتَاهُ خَادِمٌ بِرُقْعَةٍ فَفَتَحَهَا وَقَرَأَهَا وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ، (وَنَزَلَ مِنَ) الشِّدَّةِ، فَاعْتَذَرَ إِلَيَّ ثُمَّ قَالَ: كَتَبْتَ إِلَى الْخَلِيفَةِ قِصَّةً؟ فَقُلْتُ: لَا. وَعَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْخَ كَانَ الْخَلِيفَةَ.

وَقِيلَ: كَانَ يُقَسِّمُ إِفْطَارَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: فَقِسْمٌ كَانَ يَتْرُكُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقِسْمٌ يُرْسِلُهُ إِلَى جَامِعِ الرُّصَافَةِ، وَقِسْمٌ يُرْسِلُهُ إِلَى جَامِعِ الْمَدِينَةِ، يُفَرَّقُ عَلَى الْمُقِيمِينَ فِيهِمَا، فَاتَّفَقَ أَنَّ الْفَرَّاشَ حَمَلَ لَيْلَةً الطَّعَامَ إِلَى جَامِعِ الْمَدِينَةِ، فَفَرَّقَهُ عَلَى الْجَمَاعَةِ، فَأَخَذُوا، إِلَّا شَابًّا فَإِنَّهُ رَدَّهُ.

فَلَمَّا صَلَّوُا الْمَغْرِبَ خَرَجَ الشَّابُّ، وَتَبِعَهُ الْفَرَّاشُ، فَوَقَفَ عَلَى بَابٍ فَاسْتَطْعَمَ فَأَطْعَمُوهُ كُسَيْرَاتٍ فَأَخَذَهَا وَعَادَ إِلَى الْجَامِعِ، فَقَالَ لَهُ الْفَرَّاشُ: وَيْحَكَ أَلَا تَسْتَحِي يُنْفِذُ إِلَيْكَ خَلِيفَةُ اللَّهِ بِطَعَامٍ حَلَالٍ فَتَرُدَّهُ وَتَخْرُجَ (وَتَأْخُذَ مِنَ) الْأَبْوَابِ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا رَدَدْتُهُ إِلَّا لِأَنَّكَ عَرَضْتَهُ عَلَيَّ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَكُنْتُ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ، فَلَمَّا احْتَجْتُ طَلَبْتُ، فَعَادَ الْفَرَّاشُ فَأَخْبَرَ الْخَلِيفَةَ بِذَلِكَ فَبَكَى وَقَالَ لَهُ: رَاعِ مِثْلَ هَذَا، وَاغْتَنِمْ أَخْذَهُ، وَأَقِمْ إِلَى وَقْتِ الْإِفْطَارِ.

وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَبْهَرِيُّ: أَرْسَلَنِي بَهَاءُ الدَّوْلَةِ إِلَى الْقَادِرِ بِاللَّهِ فِي رِسَالَةٍ، فَسَمِعْتُهُ يُنْشِدُ:

سَبَقَ الْقَضَاءُ بِكُلِّ مَا هُوَ كَائِنٌ ... وَاللَّهُ يَا هَذَا لِرِزْقِكَ ضَامِنُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015