بَعْدَهُ، فَقَالَ الْمَلِكُ: الرَّأْيُ أَنْ نُقِيمَ حَتَّى تَجِيءَ الْأَمْطَارُ وَتَكْثُرَ الْمِيَاهُ. فَقَبَّحَ ابْنُ الدَّوْقَسِ هَذَا الرَّأْيَ، وَأَشَارَ بِالْإِسْرَاعِ قَصْدًا لِشَرٍّ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ، وَلِتَدْبِيرٍ كَانَ قَدْ دَبَّرَهُ عَلَيْهِ. فَسَارَ، فَفَارَقَهُ ابْنُ الدَّوْقَسِ، وَابْنُ لُؤْلُؤٍ فِي عَشَرَةِ آلَافِ فَارِسٍ، وَسَلَكُوا طَرِيقًا آخَرَ، فَخَلَا بِالْمَلِكِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَأَعْلَمَهُ أَنَّ ابْنَ الدَّوْقَسِ وَابْنَ لُؤْلُؤٍ قَدْ حَالَفَا أَرْبَعِينَ رَجُلًا، هُوَ أَحَدُهُمْ، عَلَى الْفَتْكِ بِهِ، وَاسْتَشْعَرَ مِنْ ذَلِكَ وَخَافَ، وَرَحَلَ مِنْ يَوْمِهِ رَاجِعًا.

وَلَحِقَهُ ابْنُ الدَّوْقَسِ، وَسَأَلَهُ عَنِ السَّبَبِ الَّذِي أَوْجَبَ عَوْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: قَدِ اجْتَمَعَتْ عَلَيْنَا الْعَرَبُ وَقَرُبُوا مِنَّا وَقَبَضَ فِي الْحَالِ عَلَى ابْنِ الدَّوْقَسِ وَابْنِ لُؤْلُؤٍ وَجَمَاعَةٍ مَعَهُمَا، فَاضْطَرَبَ النَّاسُ وَاخْتَلَفُوا، وَرَحَلَ الْمَلِكُ، وَتَبِعَهُمُ الْعَرَبُ وَأَهْلُ السَّوَادِ حَتَّى الْأَرْمَنُ يَقْتُلُونَ وَيَنْهَبُونَ، وَأَخَذُوا مِنَ الْمَلِكِ أَرْبَعَمِائَةِ بَغْلٍ مُحَمَّلَةٍ مَالًا وَثِيَابًا، وَهَلَكَ كَثِيرٌ مِنَ الرُّومِ عَطَشًا، وَنَجَا الْمَلِكُ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَسْلَمْ مَعَهُ مِنْ أَمْوَالِهِ وَخَزَائِنِهِ شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا.

وَقِيلَ فِي عَوْدِهِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ جَمْعًا مِنَ الْعَرَبِ لَيْسَ بِالْكَثِيرِ عَبَرَ عَلَى عَسْكَرِهِ، وَظَنَّ الرُّومُ أَنَّهَا كَبْسَةٌ، فَلَمْ يَدْرُوا مَا يَفْعَلُونَ، حَتَّى إِنَّ مَلِكَهُمْ لَبِسَ خُفًّا أَسْوَدَ، وَعَادَةُ مُلُوكِهِمْ لُبْسُ الْخُفِّ الْأَحْمَرِ، فَتَرَكَهُ وَلَبِسَ الْأَسْوَدَ لِيَعْمَى خَبَرُهُ عَلَى مَنْ يُرِيدُهُ، وَانْهَزَمُوا، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ جَمِيعَ مَا كَانَ مَعَهُمْ.

ذِكْرُ مَسِيرِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ مَاكُولَا إِلَى الْبَصْرَةِ وَقَتْلِهِ

لَمَّا اسْتَوْلَى الْمَلِكُ جَلَالُ الدَّوْلَةِ عَلَى وَاسِطٍ، وَجَعَلَ وَلَدَهُ فِيهَا سَيَّرَ وَزِيرَهُ أَبَا عَلِيِّ بْنَ مَاكُولَا إِلَى الْبَطَائِحِ وَالْبَصْرَةِ لِيَمْلِكَهَا، فَمَلَكَ الْبَطَائِحَ، وَسَارَ إِلَى الْبَصْرَةِ فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015