قَسَّطُوا أَرْبَعَةَ آلَافِ دِينَارٍ أُخْرَى، فَحَضَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْغُزِّ عِنْدَ ابْنِ فَرْغَانَ الْمَوْصِلِيِّ، وَطَالَبُوا إِنْسَانًا بِحَضْرَتِهِ، وَأَسَاءُوا الْأَدَبَ وَالْقَوْلَ.
وَجَرَى بَيْنَ بَعْضِ الْغُزِّ وَبَعْضِ الْمَوَاصِلِةِ مُشَاجَرَةٌ، فَجَرَحَهُ الْغُزِّيُّ وَقَطَعَ شَعْرَهُ، وَكَانَ لِلْمَوْصِلِيِّ وَالِدَةٌ سَلِيطَةٌ فَلَطَّخَتْ وَجْهَهَا بِالدَّمِ، وَأَخَذَتِ الشَّعْرَ بِيَدِهَا وَصَاحَتْ: الْمُسْتَغَاثُ بِاللَّهِ وَبِالْمُسْلِمِينَ، قَدْ قُتِلَ لِي ابْنٌ وَهَذَا دَمُهُ، وَابْنَةٌ وَهَذَا شَعْرُهَا! وَطَافَتْ فِي الْأَسْوَاقِ، فَثَارَ النَّاسُ وَجَاءُوا إِلَى ابْنِ فَرْغَانَ، فَقَتَلُوا مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْغُزِّ وَقَتَلُوا مَنْ ظَفِرُوا بِهِ مِنْهُمْ ثُمَّ حَصَرُوهُمْ فِي دَارٍ، فَقَاتَلُوا مَنْ بِسَطْحِهَا فَنَقَبَ النَّاسُ عَلَيْهِمُ الدَّارَ وَقَتَلُوهُمْ جَمِيعَهُمْ، غَيْرَ سَبْعَةِ أَنْفُسٍ مِنْهُمْ أَبُو عَلِيٍّ وَمَنْصُورٌ، فَخَرَجَ مَنْصُورٌ إِلَى الْحَصْبَاءِ، وَلَحِقَ بِهِ مَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ.
وَكَانَ كُوكَتَاشُ قَدْ فَارَقَ الْمَوْصِلَ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ يُعْلِمُونَهُ الْحَالَ، فَعَادَ إِلَيْهِمْ، وَدَخَلَ الْبَلَدِ عَنْوَةً فِي الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] ، وَوَضَعُوا السَّيْفَ فِي أَهْلِهِ، وَأَسَرُوا كَثِيرًا، وَنَهَبُوا الْأَمْوَالَ، وَأَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا يَقْتُلُونَ وَيَنْهَبُونَ، وَسَلِمَتْ سِكَّةُ أَبِي نَجِيحٍ، فَإِنَّ أَهْلَهَا أَحْسَنُوا إِلَى الْأَمِيرِ مَنْصُورٍ، فَرَعَى لَهُمْ ذَلِكَ، وَالْتَجَأَ مَنْ سَلِمَ إِلَيْهَا، وَبَقِيَ الْقَتْلَى فِي الطَّرِيقِ، فَأَنْتَنُوا لِعَدَمِ مَنْ يُوَارِيهِمْ، ثُمَّ طَرَحُوا بَعْدَ ذَلِكَ كُلَّ جَمَاعَةٍ فِي حَفِيرَةٍ. وَكَانُوا يَخْطُبُونَ لِلْخَلِيفَةِ، ثُمَّ لِطُغْرُلْبَكَ.
لَمَّا طَالَ مُقَامُهُمْ بِهَذِهِ الْبِلَادِ، وَجَرَى مِنْهُمْ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، كَتَبَ الْمَلِكُ جَلَالُ الدَّوْلَةِ بْنُ بُوَيْهِ إِلَى طُغْرُلْبَكَ يُعَرِّفُهُ مَا يَجْرِي مِنْهُمْ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ نَصْرُ الدَّوْلَةِ بْنُ مَرْوَانَ يَشْكُو مِنْهُمْ، فَكَتَبَ إِلَى نَصْرِ الدَّوْلَةِ يَقُولُ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّ عَبِيدَنَا قَصَدُوا بِلَادَكَ، وَأَنَّكَ صَانَعْتَهُمْ بِمَالٍ بَذَلْتَهُ لَهُمْ، وَأَنْتَ صَاحِبُ ثَغْرٍ يَنْبَغِي أَنْ تُعْطَى مَا تَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى قِتَالِ الْكُفَّارِ، وَيَعِدُهُ أَنَّهُ يُرْسِلُ إِلَيْهِمْ يُرَحِّلُهُمْ مِنْ بَلَدِهِ.
وَكَانُوا يَقْصِدُونَ بِلَادَ الْأَرْمَنِ، وَيَنْهَبُونَ وَيَسْبُونَ، حَتَّى إِنَّ الْجَارِيَةَ الْحَسْنَاءَ بَلَغَتْ قِيمَتُهَا خَمْسَةَ دَنَانِيرَ، وَأَمَّا الْغِلْمَانُ فَلَا يُرَادُونَ. فَأَمَّا كِتَابُ طُغْرُلْبَكَ إِلَى جَلَالِ الدَّوْلَةِ