ذِكْرُ غَزْوَةِ يَمِينِ الدَّوْلَةِ إِلَى الْهِنْدِ وَالْأَفْغَانِيَّةِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَارَ يَمِينُ الدَّوْلَةِ إِلَى الْهِنْدِ غَازِيًا، وَاحْتَشَدَ وَجَمَعَ، وَاسْتَعَدَّ وَأَعَدَّ أَكْثَرَ مِمَّا تَقَدَّمَ.
وَسَبَبُ هَذَا الِاهْتِمَامِ أَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ قَنُّوجَ، وَهَرَبَ صَاحِبُهَا مِنْهُ، وَيُلَقَّبُ رَآي قَنُّوجَ، وَمَعْنَى رَآي هُوَ لَقَبُ الْمَلِكِ كَقَيْصَرَ وَكِسْرَى، فَلَمَّا عَادَ إِلَى غَزْنَةَ أَرْسَلَ بِيدَا اللَّعِينُ، وَهُوَ أَعْظَمُ مُلُوكِ الْهِنْدِ مَمْلَكَةً، وَأَكْثَرُهُمْ جَيْشًا، وَتُسَمَّى مَمْلَكَتُهُ كَجُورَاهَةَ، رُسُلًا إِلَى رَآي قَنُّوجَ، وَاسْمُهُ رَاجِيبَالُ، يُوَبِّخُهُ عَلَى انْهِزَامِهِ، وَإِسْلَامِ بِلَادِهِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَطَالَ الْكَلَامُ بَيْنَهُمَا، وَآلَ أَمْرُهُمَا إِلَى الِاخْتِلَافِ.
وَتَأَهَّبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، وَسَارَ إِلَيْهِ، فَالْتَقَوْا وَاقْتَتَلُوا، فَقُتِلَ رَاجِيبَالُ، وَأَتَى الْقَتْلُ عَلَى أَكْثَرِ جُنُودِهِ، فَازْدَادَ بِيدَا بِمَا اتَّفَقَ لَهُ شَرًّا وَعُتُوًّا، وَبُعْدَ صِيتٍ فِي الْهِنْدِ، وَعُلُوًّا، وَقَصَدَهُ بَعْضُ مُلُوكِ الْهِنْدِ الَّذِي مَلَكَ يَمِينُ الدَّوْلَةِ بِلَادَهُ، وَهَزَمَهُ وَأَبَادَ أَجْنَادَهُ، وَصَارَ فِي جُمْلَتِهِ وَخِدْمَتِهِ وَالْتَجَأَ إِلَيْهِ، فَوَعَدَهُ بِإِعَادَةِ مُلْكِهِ إِلَيْهِ، وَحِفْظِ ضَالَّتِهِ عَلَيْهِ، وَاعْتَذَرَ بِهُجُومِ الشِّتَاءِ وَتَتَابُعِ الْأَنْدَاءِ.
فَنَمَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ إِلَى يَمِينِ الدَّوْلَةِ فَأَزْعَجَتْهُ وَتَجَهَّزَ لِلْغَزْوِ، وَقَصَدَ بِيدَا، وَأَخَذَ مُلْكَهُ مِنْهُ، وَسَارَ عَنْ غَزْنَةَ، وَابْتَدَأَ فِي طَرِيقِهِ بِالْأَفْغَانِيَّةِ، وَهُمْ كُفَّارٌ يَسْكُنُونَ الْجِبَالَ، وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ، وَيَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ بَيْنَ غَزْنَةَ وَبَيْنَهُ، فَقَصَدَ بِلَادَهُمْ، وَسَلَكَ مَضَايِقَهَا، وَفَتَحَ مَغَالِقَهَا، وَخَرَّبَ عَامِرَهَا، وَغَنِمَ أَمْوَالَهُمْ، وَأَكْثَرَ الْقَتْلَ فِيهِمْ وَالْأَسْرَ، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الْكَثِيرَ.
ثُمَّ اسْتَقَلَّ عَلَى الْمَسِيرِ، وَبَلَغَ إِلَى مَكَانٍ لَمْ يَبْلُغْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ غَزَوَاتِهِ، وَعَبَرَ نَهْرَ