الْمُعِزِّ، بَعَثَ وَلَدَهُ الْقَائِدَ، أَوْ حَضَرَ هُوَ بِنَفْسِهِ. فَحَضَرَ إِبْرَاهِيمُ وَأَخَذَ الْعُهُودَ عَلَى الْمُعِزِّ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يُعَرِّفُهُ ذَلِكَ وَيَشْكُرُ الْمُعِزَّ عَلَى إِحْسَانِهِ إِلَيْهِ، وَوَصَلَ الْمُعِزُّ إِلَى قَصْرِهِ آخِرَ جُمَادَى الْأُولَى، وَلَمَّا وَصَلَ أَطْلَقَ عَمَّهُ إِبْرَاهِيمَ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ الْأَمْوَالَ وَالدَّوَابَّ وَجَمِيعَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا سَمِعَ حَمَّادٌ ذَلِكَ أَرْسَلَ وَلَدَهُ الْقَائِدَ إِلَى الْمُعِزِّ، وَكَانَ وُصُولُهُ لِلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَأَكْرَمَهُ وَأَعْطَاهُ شَيْئًا كَثِيرًا، وَأَقْطَعَهُ الْمَسِيلَةَ وَطُبْنَةَ وَغَيْرَهُمَا، وَعَادَ إِلَى أَبِيهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَرَضِيَ الصُّلْحَ، وَحَلَفَ عَلَيْهِ، وَاسْتَقَرَّتِ الْأُمُورُ بَيْنَهُمَا، وَتَصَاهَرَا، وَزَوَّجَ الْمُعِزُّ أُخْتَهُ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمَّادٍ، فَازْدَادُوا اتِّفَاقًا وَأَمْنًا.
وَكَانَ بِإِفْرِيقِيَّةَ وَالْغَرْبِ غَلَاءٌ بِسَبَبِ الْجَرَادِ، وَاخْتِلَافِ الْمُلُوكِ، وَلَمَّا اسْتَقَرَّ الصُّلْحُ وَالِاتِّفَاقُ سَيَّرَ الْمُعِزُّ الْجُيُوشَ إِلَى الْقَبَائِلِ مِنَ الْبَرْبَرِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّ الْحُرُوبَ بَيْنَهُمْ كَانَتْ بِسَبَبِ الِاخْتِلَافِ كَثِيرَةً، وَالدِّمَاءُ مَسْفُوكَةً، فَلَمَّا رَأَوْا عَسَاكِرَ السُّلْطَانِ رَجَعُوا إِلَى السُّكُونِ وَتَرْكِ الْحَرْبِ، وَمَنْ أَبَى قُوتِلَ، فَقُتِلَ الْمُفْسِدُونَ، وَأُصْلِحَ مَا بَيْنَ الْقَبَائِلِ.
وَوَصَلَ (مِنْ جَزِيرَةِ الْأَنْدَلُسِ) زَاوِي بْنُ زِيرِي بْنِ مُنَادٍ، عَمُّ أَبِي الْمُعِزِّ، وَأَهْلُهُ وَوَلَدُهُ وَحَشَمُهُ، وَكَانَ قَدْ أَقَامَ بِالْأَنْدَلُسِ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَقَدْ ذَكَرْنَا سَبَبَ دُخُولِهِ الْأَنْدَلُسَ، وَمَلَكَ بِالْأَنْدَلُسِ غَرْنَاطَةَ وَقَاسَى حُرُوبًا كَثِيرَةً، وَوَصَلَ مَعَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْعُدَدِ وَالْجَوَاهِرِ شَيْءٌ كَثِيرٌ لَا يُحَدُّ، فَأَكْرَمَهُمُ الْمُعِزُّ، وَحَمَلَ لَهُمْ شَيْئًا عَظِيمًا، وَإِقَامَاتٍ زَائِدَةً، وَأَقَامُوا عِنْدَهُ.
وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ وَفَاةُ بَادِيسَ وَمَا بَعْدَهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَإِنَّمَا أَتْبَعْنَا بَعْضَ أَخْبَارِهِمْ بَعْضًا.