مِنْ بَعْدِ مَا كَانَ رَبُّ الْمُلْكِ مُبْتَسِمًا إِلَيَّ أَدْنُوهُ فِي النَّجْوَى وَيُدْنِينِي أَمْسَيْتُ أَرْحَمُ مَنْ قَدْ كُنْتُ أَغْبِطُهُ لَقَدْ تَقَارَبَ بَيْنَ الْعِزِّ وَالْهُونِ (وَمَنْظَرٌ كَانَ بِالسَّرَّاءِ يُضْحِكُنِي يَا قُرْبَ مَا عَادَ بِالضَّرَّاءِ يُبْكِينِي) هَيْهَاتَ أَغْتَرُّ بِالسُّلْطَانِ ثَانِيَةً قَدْ ضَلَّ وُلَّاجُ أَبْوَابِ السَّلَاطِينِ
وَلَمَّا حُمِلَ الطَّائِعُ إِلَى دَارِ بَهَاءِ الدَّوْلَةِ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بِالْخَلْعِ، وَكَانَتْ مُدَّةُ خِلَافَتِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَثَمَانِيَةَ شُهُورٍ وَسِتَّةَ أَيَّامٍ، وَحُمِلَ إِلَى الْقَادِرِ بِاللَّهِ لَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَةَ، فَبَقِيَ عِنْدَهُ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ [وَثَلَاثِمِائَةٍ] ، لَيْلَةَ الْفِطْرِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ الْقَادِرُ بِاللَّهِ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ خَمْسًا.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَكَانَ أَبْيَضَ، مَرْبُوعًا، حَسَنَ الْجِسْمِ وَكَانَ أَنْفُهُ كَبِيرًا جِدًّا، وَكَانَ شَدِيدَ الْقُوَّةِ، كَثِيرَ الْإِقْدَامِ، اسْمُ أُمِّهِ عُتْبَ، وَعَاشَتْ إِلَى أَنْ أَدْرَكَتْ أَيَّامَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الْحُكْمِ فِي وِلَايَتِهِ مَا يُعْرَفُ بِهِ حَالٌ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى سِيرَتِهِ.
ذِكْرُ خِلَافَةِ الْقَادِرِ بِاللَّهِ
لَمَّا قُبِضَ عَلَى الطَّائِعِ لِلَّهِ ذَكَرَ بَهَاءُ الدَّوْلَةِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ، فَاتَّفَقُوا عَلَى الْقَادِرِ بِاللَّهِ وَهُوَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ الْمُقْتَدِرِ بْنِ الْمُعْتَضِدِ، وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ اسْمُهَا دِمْنَةُ، وَقِيلَ تُمْنَى، وَكَانَ بِالْبَطِيحَةِ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بَهَاءُ الدَّوْلَةِ خَوَاصَّ أَصْحَابِهِ لِيُحْضِرُوهُ إِلَى بَغْدَاذَ لِيَتَوَلَّى الْخِلَافَةَ، فَانْحَدَرُوا إِلَيْهِ، وَشَغَبَ الدَّيْلَمُ بِبَغْدَاذَ، وَمَنَعُوا مِنَ الْخُطْبَةِ، فَقِيلَ عَلَى الْمِنْبَرِ: اللَّهُمَّ أَصْلِحْ عَبْدَكَ وَخَلِيفَتَكَ الْقَادِرَ بِاللَّهِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا اسْمَهُ، وَأَرْضَاهُمْ بَهَاءُ الدَّوْلَةِ.