وَبَيْنَ أُخْتٍ لَهُ مُنَازَعَةٌ فِي ضَيْعَةٍ طَالَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا. ثُمَّ إِنَّ الطَّائِعَ لِلَّهِ مَرِضَ مَرَضًا أَشْفَى مِنْهُ، ثُمَّ أَبَلَّ، فَسَعَتْ إِلَيْهِ بِأَخِيهِ الْقَادِرِ وَقَالَتْ لَهُ: إِنَّهُ شَرَعَ فِي طَلَبِ الْخِلَافَةِ عِنْدَ مَرَضِكَ فَتَغَيَّرَ رَأْيُهُ فِيهِ، فَأَنْفَذَ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ النُّعْمَانِ وَغَيْرَهُ لِلْقَبْضِ عَلَيْهِ، وَكَانَ بِالْحَرِيمِ الطَّاهِرِيِّ، فَأَصْعَدُوا فِي الْمَاءِ إِلَيْهِ.
وَكَانَ الْقَادِرُ قَدْ رَأَى فِي مَنَامِهِ كَأَنَّ رَجُلًا يَقْرَأُ عَلَيْهِ: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173] فَهُوَ يَحْكِي هَذَا الْمَنَامَ لِأَهْلِهِ وَيَقُولُ: أَنَا خَائِفٌ مِنْ طَالِبٍ يَطْلُبُنِي وَوَصَلَ أَصْحَابُ الطَّائِعِ لِلَّهِ إِلَيْهِ وَاسْتَدْعَوْهُ، فَأَرَادَ لُبْسَ ثِيَابِهِ، فَلَمْ يُمَكِّنُوهُ مِنْ مُفَارَقَتِهِمْ، فَأَخَذَهُ النِّسَاءُ مِنْهُمْ قَهْرًا، وَخَرَجَ عَنْ دَارِهِ وَاسْتَتَرَ، ثُمَّ سَارَ إِلَى الْبَطِيحَةِ، فَنَزَلَ عَلَى مُهَذَّبِ الدَّوْلَةِ، فَأَكْرَمَ نُزُلَهُ، وَوَسَّعَ عَلَيْهِ، وَحَفِظَهُ، وَبَالَغَ فِي خِدْمَتِهِ، وَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ إِلَى أَنْ أَتَتْهُ الْخِلَافَةُ، فَلَمَّا وَلِيَهَا جَعَلَ عَلَامَتَهُ: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173] .
ذِكْرُ عَوْدِ بَنِي حَمْدَانَ إِلَى الْمَوْصِلِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَلَكَ أَبُو طَاهِرٍ إِبْرَاهِيمُ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ ابْنَا نَاصِرِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدَانَ الْمَوْصِلَ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا كَانَا فِي خِدْمَةِ شَرَفِ الدَّوْلَةِ بِبَغْدَاذَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَمَلَكَ بَهَاءُ الدَّوْلَةِ اسْتَأْذَنَا فِي الْإِصْعَادِ إِلَى الْمَوْصِلِ، فَأَذِنَ لَهُمَا، فَأَصْعَدَا، ثُمَّ عَلِمَ الْقُوَّادُ الْغَلَطَ فِي ذَلِكَ، فَكَتَبَ بَهَاءُ الدَّوْلَةِ إِلَى خُوَاشَاذَهْ، وَهُوَ يَتَوَلَّى الْمَوْصِلَ، يَأْمُرُهُ بِدَفْعِهِمَا عَنْهَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا خُوَاشَاذَهْ يَأْمُرُهُمَا بِالْعَوْدِ عَنْهُ، فَأَعَادَا جَوَابًا جَمِيلًا، وَجَدَّا فِي السَّيْرِ حَتَّى نَزَلَا بِالدَّيْرِ الْأَعْلَى بِظَاهِرِ الْمَوْصِلِ.